التأمّل
اعتُبِر في القديم وفي المجتمعات التي طغى عليها الفكر الديني السطحي أن التأمل السامي هو نوع من الهرطقة الدينية أو الشعوذة.
الى أن دخل وفي إطار العوام شيء من النظرة الشاملة، بتعرّفهم على عادات وتقاليد الشعوب المختلفة.
أصبح في أيامنا التأمل وطرقه أقرب للمفهوم العقلي للعامة، وخاصة بإزالة الصبغة الدينية الإيجابية أو السلبية عنه واعتماده كأداة حسية جسدية تقدم إستفادة للمرء بشقّيه الجسدي والداخلي.
إن طرق التأمّل كانت مستعملة في القديم وما زالت وإن كان دون الحصر في جنوب شرق آسيا أم في مصر الفرعونية الأخناتونية. وما التمعّن في المعابد المصرية ورؤية كيفية جلوس المجسّمات الفرعونية التي تحيط بمداخل المعابد إلا لتوحي لنا بأنّ هؤلاء كانوا يمثّلون أشخاص منشغلين بالتأمل. هناك الكثير من الكتابات القديمة التي تؤكّد هذا الإنشغال أيضاً.
منذ دخولنا الماسونية والطقوس تتكلّم عن “العمل والتأمّل”. لقد عرفنا العمل بجميع جوانبه في الدرجات الرمزية الأولى وها نحن نقترب بتدرّج نحو العمل الباطني والداخلي ومن أولى مرتكزاته التأمّل.
نظراً لشيوع العلوم القديمة في مجتمعاتنا، أصبح التأمّل جزءاً غير مبهّماً وأُزيلت عنه الرواسب الجاهلية.
هناك طرق عديدة تساعد الإنسان على التأمّل إلا أنّها تجتمع في الولوج بالسكون والإبتعاد عن الضجيج الخارجي، الجلوس بشكل يتلاءم تقليدياً مع القوى الكونية ومنها طريقة الجلوس الفرعونية. الجلوس على مقعد مستوى وجالس الظهر، الركبتان غير متلاسقتان ومتوازيتان واليدان على الركب، اليمين على اليمين والشمال على الشمال. هناك طرق أخرى معتمدة في شرق آسيا ومنها الجلوس بصفة “االلوتس” المعروفة. لا تفاضل بين طريقة وأخرى إلاّ بما تؤّنه للفرد من راحة وإطمئنان. للتخفيف من التأثيرات الخارجية تغلق أبواب ومنافذ المكان للحدّ من التأثيرات السمعية، إغماض العينين للحدّ من التأثيرات النظرية. الهدف هو إسكات الحواس الخمس قبل الدخول الى العالم الداخلي، تدخل في سكون الحواس الحسيّة اللّمسية والذوقية والسمعية والبصرية، تبقى حاسة الشم وهنا يُدخِل البعض أنواع من الروائح المثيرة للحثّ الداخلي كالبخور على أنواعه. وهكذا يكون الجسد في عزلة حسية خارجية تساعده على الإنتقال الى العتبة الثانية وهي إستبطان الفكر.
لا يوجد طريقة مثلى تناسب الجميع لأن كل فرد يتميّز بدرجات مختلفة عن الآخر. ينصح الأخوة الحكماء كل فرد بإختبار الطريقة التي تناسبه لكي يعتمدها كمدخل على ألاّ تكون منحصرة وجامدة بل تتطوّر مع تطوره الداخلي.
من الأدوات المساعدة في التأمل.
التنفّس.
ينصح وبعد الجلوس وإغماض العينين والدخول في سكينة القيام بثلاث دورات تنفسية ما بين شهيق وزفير إنّما برويّة وبإطالة الزفير بالنسبة للشهيق (كالعدّ من واحد الى خمسة في الزفير ومن واحد الى ثلاثة في الشهيق)، على أن تكون عملية التنفس بواسطة الأنف. إن التركيز على التنفس يحصر إنتباه المرء على حركة واحدة ويحدّ من الشطط، وهكذا يساعد المتأمّل بالولوج الى عالمه الداخلي.
الإنقباض.
يساعد الإنقباض على حالة من الإسترخاء في الجسد. يعمد الفرد الى شدّ عضلاته الجسدية جمعاء بما في ذلك الفكّ والفم لمدة خمس ثواني ثم يرخيها ويقوم بهذه الحركة ثلاث مرات. فهي تزيد من الإرتخاء وإسكات الأحاسيس الجسدية.
حصر الفكر.
كما في عملية التنفس، إنّ التركيز على التنفس يساعد في العزلة عن العالم الخارجي. إن لم يصل الإنسان الى هذه العزلة يقوم بالتركيز على أعضاء جسده عضواً تلو العضو وكأنّه يقوم بمسح من أخمص رجليه الى مركز تنفسه. فيحصر تصورّه لأصابع رجليه ومنهم الى الكاحل وهكذا دواليك الى الوصول الى مركز متنفسه.
الوقت.
لا يوجد وقت يتميّز عن سواه في التأمّل إنما وقت يناسب المتأمّل. المهم هو عملية التواتر أي القيام بالتأمل بشكل يومي ولو لمدة عشر دقائق. لا يوجد تحديد للوقت منهم من يصل الى عالمه الداخلي بثوانٍ ومنهم من هو بحاجة الى دقائق.
مواضيع التأمل.
للتأمّل طبقات أولاها الصفاء ويليها التأمّل التفاعلي.
على المبتدئ أن يقوم بهذه التمارين للوصول الى درجة القدرة على التحكّم كلياً بتأمّله والدخول بصفاء الذهن. بما معناه الوصول الى صفاء الذهن الكامل والبقاء في هذه
الحالة الى أن يصل الى الشعور بالإكتفاء.
بعد التمكّن من هذه المرحلة ينتقل الى التأمل في مواضيع مختلفة فلسفية كانت أم كونية.
الكلمات العابرة.
هي كلمات اختبر أخوتنا الحكماء أفضليتها في عملية التأمل والتي تساعد على الوصول الى الصفاء بسرعة أكبر.
هذه الكلمات تطلق على صوت متوسّط ثم تتدرّج بالإنخفاض الى الإنخفات كلياً.
من هذه الكلمات ما استعمل قديماً في معابد أخناتون ومنها (RA) و (MA).
تلفظ هذه الكلمات مبتدئين بأول حرف ثم تمد على الحرف الثاني الى الإنخفات كلياً.
على سبيل المثال”RAAAAAAAaaaaaaa” و “MAAAAAAAaaaaaaa”. يستحب أن تقال لثلاث مرات.
إنّ التأمّل هو أول باب على طريق الإكتمال الداخلي. لا نستطيع هنا إلاّ التركيز على هذه الطريقة والحثّ على التمرّس بها وعليها لأنّها من مفاتيح العوالم الداخلية.
– حقوق النشر: الدكتور ميشال الخوري © ٢٠٢١