الأفكار الدخيلة على المسيحية.
دراسة التحريفات بحاجة إلى مجلّدات وهذا ليس في إطار بحثنا إنما نلفت النظر إلى بعض النِقاط لتبيان بعض التناقضات.
ما لم نجده في تعاليم المسيح ولا في كتابات بولس ونجده اليوم في شكل المسيحية الحاضر، يكون إمّا مُختَلق وإما منقول عن ديانات أو موروثات قديمة.
سنعرض بعض المعتقدات القديمة والرواسب وأجزاء من الديانات السابقة ومنها المصرية والبوذية والفارسية وبعض المدارس الفلسفية والتي تشكّل العمود الفقري للديانة المسيحية حالياً والتي وبعد التحرّي والتدقيق غير موجودة في تعاليم المسيح المعروفة.
- الديانة المصرية.
اشتهرت قصة التثليث مع (أوزيريس وايزيس وحورس) كما استعمل المصريين القدامى الصليب الذي يعلوه حلقة رمزاً للموت والحياة بعد الموت. يقول الدكتور محمد حماده في الفنون والطرز القبطية ص 6: “المسيحية كدين ليست بعيدة في أسسها عن العقائد المصرية، وهناك تشابه كبير بين الإثنين في كثير من الوجوه”
- الديانة البوذية
هي مرجع مهمّ للديانة المسيحية فأولاً هي سابقة لها والنقل لا يكون إلاّ من لاحق عن سالف. ففي الديانة البوذية نجد التثليث والأقانيم وقصة الصلب للتكفير من خطيئة البشر والزهد والتخلص من المال للدخول في ملكوت السماوات والرهبانية.
- الديانات الوثنية.
كان هناك عدد كبير من المعابد لآلهة وثنية منتشرة في أماكن ظهور المسيحية ومنها معابد ل” آبلو معبود الإغريق، ومثرا من آلهة الفرس وأدونيس معبود السوريين وبعل معبود البابليين وكانت هذه الآلهة تعتبر من نسل الشمس وتشترك فيما بينها كما تشترك مع المسيحية بكثير من التشابه ومنها:
كل هذه الآلهة ولدت في نفس الفترة. جميعها ولدت في كهوف أو حجرة بعيدة عن
الناس. كلّهم عاشوا حياة فيها عناء من أجل الجنس البشري. كلّهم نعتوا بالمخلّص والمنقذ والوسيط. ألقى بهم بعد هزيمتهم في المدافن أو النيران السفلى. هبّوا جميعاً من مدافنهم بعد الموت وصعدوا إلى عالم السماء. أسّسوا جميعاً خلفاء ورسل.
فمتراس أحد آلهة الفرس كان الوسيط بين الله والبشر، ولد في كهف في الخامس والعشرين من (ديسمبر) كانون الأول، ليلة الميلاد حالياً التي تقام فيها الشعائر لولادة المسيح، كان له إثنا عشر حوارياً، مات ليخلّص البشر، دفن وعاد إلى الحياة، صعد إلى السماء أمام تلاميذه وهم يبتهلون له ويركعون وكان كالحمل الوديع وكان أتباعه يعمّدون بإسمه وفي ذكراه في كل عام يقام عشاء مقدّس.
كذلك بعل أخذ أسيرا، حوكم بعل علنا، جرح بعل بعد المحاكمة، اقتيد لتنفيذ الحكم به على الجبل، كان مع بعل مذنب حكم عليه بالإعدام، جرت العادة أن يعفى كل عام عن مذنب فعفي عن المذنب وأعدم بعل.
التقارب مع حياة بوذا، عند مولد بوذا ظهر نجم في السماء، ولد بوذا في الخامس والعشرين من ديسمبر، عند مولد بوذا احتفلت الملائكة بولادته، كانت ولادة بوذا خطر على الملك فهدّده الملك ينباسار وأراد قتله، عندما أوشك أن يبدأ برسالته ظهر له الشيطان ليحاول تضليله وعرض عليه أن يجعله إمبراطور العالم صرخ به بوذا إبتعد عني، وصام فترة طويلة، وتعمّد بوذا بالماء المقدّس، وعندما مات دفن، شُق قبره بقوة وعاد إلى الحياة، صعد بوذا إلى السماء وسيعود إلى الأرض في آخر الأزمنة.
إنّ الإختلاف بين حياة المسيح وما ذكر عن بوذا وميثرا وبعل وغيرهم ضئيلة حتى يخال لمسيحي يقرأ حياة بوذا أو ميترا أو بعل بأنه يقرأ حياة المسيح كما وردت في الكتب المعروفة.
هنا نلحظ التغيير الكبير الذي طرأ على المسيحية من ديانة إبراهيمية ضاعت معالمها إلى ديانة سلطوية دنيوية وثنية.
شواهد وعبر.
كيف فسّرت الكنيسة أصول الوحي والوثنيات في معتقدها وطقوسها؟
جميع الشواهد في هذه الفقرة مستخرجة من التعليم المسيحي بحسب الكنيسة الكاثوليكية وكما هو منشور على موقع الفاتيكان، رابط الموقع في أسفل الصفحة، للأسف يستصعب إيجاد نسخة عربية على موقع الفاتيكان. اين هي الجامعات القدسية والروحية وبماذا تهتم إن لم تقم بترجمة هذا التعليم وعرضه بالمجان. سنجد في الشرح الذي تقدّمه هذه الكنيسة إضافة الى أكثر الكنائس مجتمعة، إنّ ما تقدّم وما نفته كلياً في القديم من تأثيرات وإدخال أفكار وطقوس وثنية، إضطرت في الحديث وأمام الأبحاث التاريخية والأثرية، أن تعترف بأنّ ما كان سبب في إضطهاد وقتل باحثين والتنكيّل بالفكر لما يقارب الألفي سنة، لم يكن أصحابه أصحاب بدع بل هي من ابتدعت طرق الإضطهاد.
تلوية الكلام لإسقاطه في مكان شبهة وقوعه كحقيقة.
تقول الكنيسة في الفقرة 76 من التعليم المسيحي[1] مصادر الوحي إثنان:
- كتابية، من الرسل أو ممّن أحاط بهم الذي يسمّونه “رسالة الخلاص”.
- شفهية، أمّا من خلال أقوال لفظوا بها أو كتبوها ونسبت إلى المسيح مباشرة وأما من خلال إلهام من الروح القدس.
وقد أعلنوا بأن الأساقفة تلقوا من الرسل الأوائل مهمّة التعليم والكرازة وهذه المهمة أوكلوا بها إلى نهاية الأزمنة. الفقرة 77:
– المهمة التي أوكلت إليهم هي التقليد الصحيح. الفقرة 78.
– كما أنّ ألآب كان متّصل بالكلمة أي المسيح، فالمسيح متّصل هكذا بمن أوكَلَهم مهمات الحفاظ على الوحي. الفقرة 79.
– كِلا الطريقتين الكتابية والموحى بها والموكلة إلى الأساقفة هما ربانيتين ومتساويتين. الفقرة 80.
– الكتاب هو ما كتب بإيحاء من الله فيتساوى مع ما أوحي إلى الأساقفة لأن مصدر
الوحي واحد. الفقرة 81.
– تقول الكنيسة بما أن الأساقفة هم من أوكل إليهم النشر والتفسير يكونون هم أصحاب القرار والوحيدين المستحقي تفسير الكتاب. الفقرة 82.
فلم يعد الكتاب بنفسه مرجع إنّما “المرجعية” هي ما يفسّره مجمع الأساقفة. برهان على ذلك يقول مجمع الأساقفة، في الفترة الأولى للمسيحية لم يكن هناك إنجيل مكتوب ومتداول وبالرغم من ذلك انتشرت المسيحية على أيدي الأساقفة الأولين (هذا يثبّت كلّ ما تقدّمنا به في المقدّمة والذي للوهلة الأولى يخاله القارئ بأنّه مبتدع)، الذي يثبّت بأنّ مجامع الأساقفة الأولى لم تقم على مرجع موحّد بل على ما مالت اليه قلوب أو مصلحة الأساقفة.
هذا يؤكّد ما عرضناه سابقاً بأن الأناجيل لم تكتب إلّا بعد فترة زمنية وبعد كتابات بولس التي ادّعت تفسير الرسالة.
– تقول الكنيسة هنا نفهم أن الكنيسة هي حاملة الوديعة (depositum fidei) ما سمّي بالتقليد الكنسي. الفقرة 84.
هكذا تكون المعلّمية أو الأستاذية الكنسية قوة بحدّ ذاتها ومفوّضة من المسيح. الفقرة 85. مدعِّمين حجّتهم بقول المسيح في لوقا 10: 16 “من سمع لكم، سمع لي” هذا الكلام الوارد في الإنجيل وجّه إلى الرسل الإثني عشر مباشرة ولم يلحظ من تبعكم وتبع تابعيكم، إثبات أن هذا الكلام ليس للإستمرار وليس بمطلق، والإثبات على هذا، هو أن أحد الإثني عشر والمدعو يهوذا الإسخريوطي كان ممّن توجّه اليهم الكلام، وقد انحرف كلياً عن نهج الرسالة على ما رُويَ، فخرج يهوذا من مفهوم هذا اللّفظ. ممّا يعني أن الحديث “من سمع لكم، سمع لي” وإن صحّ بالقول لا يكفي لإثبات الحجّة للتوارث. من يدّعي بأنه ممّن يعنيهم هذا الحديث، عليه إثبات البيّنة بإستمرار هذه الوديعة على ما كانت عليه وعلى مدى القرون الغابرة. التاريخ والأبحاث تنقض كلياً أي صفة تسلسلية مفعمة بالرحمة والمحبة والقداسة، وإلا كيف نفسّر قول المسيح هذا ليهوذا كما للاحد عشر، إلا إذا اعتبرنا أنّه شريك في الخلاص. فكما دخل المسيح بواسطة مريم، وهي وسيلة في إبتداء الرسالة، هكذا يكون يهوذا الوسيلة الثانية لتحقيق الرسالة. فيتساوى المدخل والمخرج في تحقيق الرسالة.
لم تكن لتكن هذه الرسالة لولا وجود يهوذا، فيصبح هذا جزء أساسي في ما سمّي “الخلاص”.
– في الفقرة 88 تصبح أستاذية الكنيسة مخوّلة لتحديد العقيدة الملزمة لجميع المؤمنين.
– أضافوا الى هذا: “كما أنّ العقيدة تؤثّر بالمؤمنين وتنير دربهم كذلك المؤمن يصبح مستنير ويتلقّى التوضيح والوحي”. الفقرة 89.
– وكذلك بما أن المؤمنين تستنير قلوبهم فلا يعقل أن يخطئوا أذا ما اجتمعوا على شيء، فيكون إجماعهم حجة. الفقرة 92.
– وبما أن المؤمن ينمو في داخل الإيمان كذلك “الإيمان” بشكل عام أي إيمان الكنيسة ينمو مع المؤمن، فيصبح المؤمن مورد للوحي بتأملاته وحياته وهكذا حياة “القديسين” تصبح مرجع إضافي. الفقرة 94.
– والخلاصة إنّه بتدبير إلهي يترابط التقليد مع الكتب مع أستاذية الأساقفة مع الموحى للقديسين ليشكّلوا مصادر العقيدة والوحي. الفقرة 95.
الكتب المدعوّة مقدّسة ليست المرجع بذاتها ولكن بعد تفسيرها من الكنيسة بما أوحي إليها أو ما جمعته من إختبارات المؤمنين الملهمة.
فيكون على ما يصرّحوا عنه علناً وبصراحة بأنّهم هم أساس العقيدة الموحى بها، إذا أحصي عددياً ونسبياً وإذا “عُدِّدت” هذه المصادر نصل الى ما يقارب التسعين في المائة من أسس المسيحية غير كتابي ولا يبقى للكتاب إلا حيّز بسيط، الذي يعتبر مادة للتفكّر.
هذا الأسلوب بتنظيم الوحي والعقيدة أدخل الكثير من الوثنيات الجلية المظهر والباطن. فكان لزاماً شرح هذا المأزق بعد شيوعه وبروزه للعلن و بشكل جليّ.
فجاء الرد في عدّة رسائل أعادت تأكيده الرسالة البابوية (FIDES ET RATIO) للبابا يوحنا بولس الثاني الصادرة في 14 أيلول (سبتمبر) 1998، ورد في الفقرة 40 و 41 بأن أساتذة المدرسة المدرسيّة تبنّوا الأفكار الوثنية و”مسحنوها” (أي أدخلوها المسيحية، وهذا إعتراف بعد نكران لهذه الحقيقة لألفي سنة)، كما يدخل شخص بالمسيحية بعد تعميده بالماء هكذا تبنّى أباء الكنيسة والقيّمين على إستمرارها المعتقدات والعادات الوثنية وألبسوها حلّتها الجديدة فبرأت وأصبحت صالحة للإستعمال “بمسحنتها” أي عمادها.
تقول الرسالة “فيدس و راسيو” لأن خبرة الشعوب الوثنية هي خبرة طبيعية ما بين المخلوق مع من خلقه، الله، فبإدخالها المسيحية يلتقي الخالق مع خلقه. فلا إنكار من الكنيسة بأن طقوسها ومصادرها وبعض معتقداتها وثنية صرفة، بل بالعكس تفتخر بأنها لاقت بها الخالق ووجهه لأن من قام بها هم مخلوقون من الخالق نفسه. فما حاجة الكتاب والإنجيل والرسالة اذاً، إذا كنا نستطيع إستلهام الوحي من إختبارات الشعوب الوثنية.
بعض ما أدخل على المسيحية، في الطقوس والأعياد.
إعتبرت الشعوب الأولى أن الطبيعة بكواكبها السيارة وبتأثيرها على الأرض والناس هو من أفعال الآلهة. فتقلّب الفصول يجب أن يوضع في مكانه الطبيعي المعبّر عن هذه القوى.
بمسار الأرض حول الشمس تتقلّب الفصول وتمتدّ الأيام وتقصر. وبما أن الشمس هي المؤقّتة لهذه التغيرات، عمدت الشعوب القديمة إلى تجليل وتكبير بعض الأيام. فكان من هذه الأيام بداية فصل الشتاء المعروف بالإنقلاب الشتوي، ففي هذه الفترة يبدأ النهار بالإمتداد وتتقلّص الليالي. فاعتبر الأقدمين بأن النهار والضوء بفعل الشمس يتغلّب على الليل والظلمة، فاحتفلوا بعيد الشمس وظلّ هذا العيد محتفل به إلى أن حوّله المسيحيين إلى عيد ميلاد المسيح باعتباره نور العالم وبتشبيهه بشمس المعمورة. آخر من إحتفل بعيد الشمس الرومانيين بتاريخ 25 كانون الأول (ديسمبر) تحت مسمّى ميلاد الشمس(Solis natalis) الذي حوّلته المسيحية إلى عيد ميلاد المسيح. أما في فترة الإنقلاب الصيفي، عندما يبدأ النهار بالقصر وتتمدّد الليالي يعيّد المسيحيين عيد يوحنا المعمدان. قيل أنّ هذا عاش قبل المسيح وبشّر بقدومه. فتكون الفترة التي يتغلب فيها الليل على النهار وتقصر فترة الضوء، ولكي لا يدخل الإحباط إلى قلوب الناس يبشّرونهم بولادة النور وهو المسيح في الإنقلاب الشتوي.
عيد جميع القدّيسين الذي يقع في أول تشرين الثاني (نوفمبر) وعيد تذكار الموتى في الأسبوع نفسه يصادفان مع تاريخ بداية السنة عند الأوروبيين الأقدمين المعروفين “بالدرويد” ومنه عيد (Halloween) الذي معناه التكريس. ففي نهاية السنة الزراعية وبعد إدخال المحاصيل إلى المخازن، كان الأقدمون يقومون بإحتفال يكرّسون به المحاصيل ويتبع هذا أهازيج يتذكرون فيها موتاهم وأوليائهم.
بعد الإعتراف العلني من هذه المجموعات بتبنّي الأعياد والأفكار الوثنية، وبعد الظلم الذي قاسته للشعوب، لم نعد بحاجة لتعداد كل الأفكار والمداخيل الوثنية، هذا ليس موقعها وليس الهدف من هذه الرسالة. بل نحن هنا فقط بصدد إثارة بعض المواضيع التاريخية والأثرية التي أدّت الى تفاعلات إجتماعية ساهمت في نشوء جمعيات عمالية وتعاضدية وأخوية لإيجاد فسحة تنفّس في ظلّ العتمة الحالكة التي سادت في القرون السابقة.
http://www.vatican.va/archive/FRA0013/_INDEX.HTM
– حقوق النشر: الدكتور ميشال الخوري © ٢٠٢١