التشكيل الماسوني اللبناني

في واقع التشكيل الماسوني اللبناني.

عند النظر الى المشهدية اللبنانية، يجد الباحث حيرة أمام كثرة التنظيمات التي تدّعي الماسونية كما المسمّيات المختلفة. فكان لا بدّ من توصيف لهذه الحالة ليتبين للباحث حقيقة الحالة الماسونية اللبنانية.

نحصي في لبنان أربعة توجّهات للتجمعات الماسونية.

  • المحافل ذات التوجّه الإنجليزي والأميركي.
  • محافل تتبع لتنظيمات أوروبية.
  • كُتل من الإرث العثماني المصري.
  • محافل ناشئة ليبرالية غير عقائدية وغير منضوية تحت راية أجنبية.

 

  • المحافل الإنجليزية والأميركية.

          يستطيع القارئ أن يعود لتاريخ أندرسون وبنوده في الموقع ليستوضح تاريخ نشأة هذه التيارات. فهي ذكورية محضة، لا تقبل إلاّ من كان منبثقاً من صلبها أمحفل كان أم أخ، لا تعترف بأي أخ مهما كانت صفاته إن لم يكن من أصولها التكريسية، ترفض الإخوة الإنسانية الشاملة ولا تعترف إلاّ بإخوة أفرادها فيما بينهم، لا تعترف بأي مكوّن ماسوني مختلف، ترفض التنوّع كلياً، لا تؤمن بحرية الفكر المطلقة ولا تسمح لنفسها بمناقشة المواضيع كافة، فتحرّم على نفسها الولوج بنقاشات ذات منحى ديني أو سياسي أو إجتماعي تقدّمي، تكتفي بالإلتزام بالطقوس بمنهجية “دينية” وحَرفيّة معتبرة الطقس أسمى من العمل الفكري والفلسفي، أقرّت تأريخ للمسيرة الماسونية وترفض ورفضت جميع الأبحاث التاريخية والأثرية الحديثة، تكتفي ببعض الدراسات الرمزية الموروثة الخ… تقدّم ببريق للمنتسب اليها إمكانية التعرّف على أصحاب الشأن والجاه ومقاربة مجتمعات مخملية كما إمكانية مساعدته أو تأمين بعض العون له في بلاد الإغتراب.

  • المحافل ذات الصلات الأوروبية.

          يتواجد في لبنان محافل أقامت صداقات ومعاهدات تعاون مع بعض السلطات الأوروبية من فرنسية وايطالية وغيرها. ما تتميّز به المحافل الأوروبية هو في حرية الفكر المطلقة، عدم وضع أي حدّ للنقاشات الفكرية والفلسفية، إحترام الأخوة الإنسانية والكرامة الفردية، العمل على بثّ روحية الفكر الحرّ وتحسين المجتمع، العمل على تنوير المجتمعات وحثّها على التقدّم، تقديم الأبحاث الإجتماعية الى أقرانهم، إحترام الفردية الكاملة المتساوية التي تؤدّي الى تبادل الأدوار في إدارة المحافل.

          ما بين الحقيقة والواقع بان كبير، إذ أنّ بعض هذه التشكيلات وبالرغم من وجودها منذ سنين لم تُظهِر إلاً عقم فلسفي وفكري وإجتماعي، ولن تجد أي عمل يظهر حقيقة هذه الديناميكيات الفكرية والفلسفية لا في القديم ولا الحديث، فتنتفي بحسب ديناميكيتها الفكرية أسباب وجودها التنويرية. كما ليجدنّ المتتبع لتاريخ هذه التجمعات زمرة تتبادل الأدوار فيما بينها مع الإحتفاظ بأخ أكبر وصيّ على الآخرين، الذي يفقد الصفات الإنسانية المدّعاة بالإستواء والمساواة بين أفراد محافلها. وكأنها إصطبغت بصبغة شرقية إقطاعية.

          بحسب القوانين والمراجع الماسونية والأوروبية، ما أن يصل عدد المحافل في بلد الى ثلاثة تستقل هذه عن المحفل الأم. العقم الفكري وعدم المقدرة على القيام بالنفس والإعتماد التبعي على المرجعيات الغربية المعتبر قيمة مضافة، تمنع أفراد هذه المكونات من التمدّد والتكاثر للإحتفظ بلقب وبحماية المحافل الغربية. من هنا تستخلص أخي القارئ أن أعدادها لا تتجاوز الإثنين كلٍ منفردة. إحتفل المحفل الأكبر الفرنسي بمرور 150 عام على تأسيس أول محفل في لبنان، وفي سنة 2018 لم يكن يتواجد إلاً محفل واحداً وأنشأ محفل ثانٍ بعد مرور 150 عام ولربما إنتظر الباحث أيضا قرناً أو إثنين لإنشاء محفل ثالث. كذلك الأمر مع من إدّعى غطاء طلياني أو أي مسمّى لأي مرجعية أوروبية كانت. كما قال أحد الحكّام الأفارقة “لكي أُبقِي على نفوذي يجب أن لا يصل أحد الى مرتبتي، ليبقى كُلٍ أين هو”.

     جميع الشروق والمحافل الكبرى الأجنبية مستقلة وطنياً ولا تخضع لأي مكوّن غريب ولا تتعامل مع بعضها إلاّ بالندّية. يُنظر الى المحافل اللاحقة كناشئة ومكوّنة لنفسها! البعض يتتلمذ منذ أكثر من 150 سنة، ألم ينتهي سن المراهقة ! أم هناك حكمة للعازب في البقاء في بيت أمه !؟..

  • المحافل اللبنانية القديمة.

     تكوّن في لبنان في نهايات القرن التاسع عشر على يدّ أفراد من الجاليات الغربية محافل فرنسية وإسكتلندية ومنها محفل لبنان التابع للشرق الأكبر الفرنسي، محفل الهلال التابع للمحفل الأسكتلندي ومحفل السلام التابع للشرق الأكبر العثماني. ثم وبعد إشارات من المحفل الأكبر المصري أُنشأ محفل الرشيد، بيروت، الإتحاد والثبات. ومتفرُّعاً من المحفل الأكبر المصري أُنشأ المحفل الأكبر الريفي لسوريا ولبنان. ثم انبثق من هذا التجمّع الشرق الأكبر اللبناني الذي مرّ بفترات صمت وعمل في ما قبل الحرب العالمية الثانية وما بعدها كما الحرب الأهلية اللبنانية. ضمت الماسونية في أيامها كبار رجالات العلم والدولة من جرجي زيدان وبشارة الخوري وغيرهم. إلاّ أنّ وللأسباب نفسها التي أفسدت الإرساليات الماسونية الغربية دبّت الوصولية وحبّ الإيثار والإستئثار ما بين أفراد هذه التجمعات، لأنّها لم ترتكز على العلوم الفلسفية الكونية الماسونية وإكتفت بالمسميات والمناصب والتقدّم لمقاربة رجال السياسة ورجال الأعمال تحت ذريعة إدخالهم الماسونية كشرف لهم ولفتح أبواب غربية أمامهم. عُوِّمت الماسونية بكميّة من الأشخاص الذين لم يفقهوا أسباب الإنتساب الفكرية والفلسفية والإنسانية ودخلت الصراعات الى جسد الماسونية وتفرّق الأحباب كلٍّ مع فريق ونشأت الجمعيات المعروفة والموجودة في أيامنا. التي وكلٍ منها يُدار بشكل عشائري لا يأخذ بعين الإعتبار الاّ الموقع المادي والإجتماعي للشخص. والبقية معروفة من شرذمة ومخاصمة ومحاربة والإدّعاء بأفضلية على الآخرين ومحاربتهم وعدم الإعتراف والتكلّم مع أقرانهم الخ… وقعت هذه التكتلات بالخطيئة نفسها التي وقعت فيها الإرساليات الغربية. للأسف يستعمل التوصيف “لبننة الماسونية” كما يحصل في بعض ميادين السياسة. تستعمل كلمة شرق لتحديد مكان محفل لأن النور يخرج من الشرق، فمن هنا يقال شرق بيروت وشرق لبنان وشرق فرنسا وشرق ايطاليا الى ما هنالك. الباحث في الشروق (جمع شرق) في لبنان ليجدنّ العشرات التي تدّعي كلٍ منها إمتلاك الحقيقة وحدها، وتتميّز بوجود أخ اكبر ومساعدين من حوله يدعون الى المساوات، ولكن الأخ الاكبر هو مميز وحده لذلك يبقى في مركزه لسنين عديدة.

  • المحافل الحديثة.

     أمام هذه المشهدية الماسونية المتجزئة التي لا تفي بغرض وجودها، من تقديم المعرفة الفلسفية الماسونية للأخوة، كما الأدوات الرمزية الكافية لصقل الشخصية الإنسانية وتحويلها من محدودة في الزمان والمكان لملامسة الأفق الكونية. كما عقم وعجز التكتلات الموجودة، من بثّ روحية الأبحاث الفلسفية والفكرية والإجتماعية، المرتكزة على الفلسفة النسبية والرمزية الماسونية والإرث الكوني، مستعينة بأهم الأبحاث العلمية والإكتشافات الحديثة، تجمّع إخوة من مكونات الإرث الماسوني الوطني والغربي وكونوا محافل لبنانية كلّية، تدأب لإيصال الفكر الماسوني المُعتَمِد على الفلسفة النسبية والغنوصية، الديناميكيات الخيميائية كما الفن الهرمسي، المرتكزِين على الرمزية الشاملة للباحثين الجادّين.

     بالرغم من إستقلالية هذه المحافل بعضها عن بعض، إلاّ أنّها تفي بغرض التنوّع والتكامل وترفض في أغلبيتها العنصرية القائمة على التفرقة على أساس الدين واللّون واللغة والعرق… وتؤمن بالإنسانية الكاملة المحرّرة من أي قيد أو تبعية، كما تؤمن بالمساواة الكاملة ما بين أفرادها وحريتهم وعدم إلزامهم بأي خضوع أو خنوع لأيّ سلطة أو كائن كان. هذه المحافل تجسّد ما ينشده الماسون من حرية، مساواة وإخاء.     

في الواقع.

     كما سبق وذكرنا، كان قد قارب الماسونية في لبنان أكثر من 23000 شخص إلا أن الإحصائيات في سنة 2020 لم تكن تَعُدّ في المحافل مجتمعة أكثر من بضع مئات.

هل كل من قارب الماسونية لم يكن أهل؟

هل جميعهم لم يفقهوا الفكر الماسوني؟

أم خيبة الظن كانت الحالة السائدة؟

لا تستطيع أن تحكم على أشخاص من خلال منظارك ومعاييرك وإعتبارهم غير جدّيين وكفوئين!

    من أولى الركائز الماسونية هي الثقة بالرجال (كلمة تشمل الرجال والنساء).

أملنا في إكمال المسيرة المُنيرة على المحافل الحديثة، القائمة على فهم الأخطاء التاريخية والمرتكزة على الديناميكية الماسونية الحقيقية المجرّدة من الشوائب الشخصانية.

الشعلة الماسونية لا تنطفئ.

 – حقوق النشر: الدكتور ميشال الخوري  © ٢٠٢١

error: Content is protected !!