الخيمياء
الخيميائية (Alchimie) هي مجموعة من الظواهر التي برزت في بلاد فارس القديمة كما في الصين ثم إمتدَّت الى بلاد ما بين النهرين ومنها الى اليونان والعرب وأوروبا فيما بعد.
الخيمياء ديناميكية فطرية سعى من خلالها الفرد الى تحويل المعادن الرخيصة الى معادن ثمينة، وإشتُهِر منها، تحويل الرصاص المعدن المتوفر والرخيص الى ذهب، وذلك من خلال خطوات إختلطت فيها ومعها الفلسفة والروحانية وبعض المعلومات العلمية المغلوطة والقصص الأسطورية الخ.
لم تكن الخيمياء محط إنتباه الساعين الى الثراء السريع واكتشاف المستور فقط، بل عرف ملوك وأمراء شغفوا بها رغبة في الكسب وبسط السلطة وإمتداد النفوذ.
عرف من كتابات الخيميائيين أنهم كانوا يفتشون عن حجر الفلاسفة وهو مكون من مادة إذا اضيفت الى أي عنصر حولته الى ذهب. إشْتُقَّ من هذا المفهوم عنصر ثانٍ عرف بماء الحياة، وهي ماء من حظي بها وشربها أمدَّته بالصحة والحياة الأبدية.
في تطورها أخذت الخيمياء أشكالاً عديدة، فتعددت بعدد من إشتغل وانكب عليها. وعند فشل الخيميائيين بتحويل الرصاص الى ذهب إستعان كل منهم بقوى الغيب للوصول الى هدفه المرجو. فكان من إدّعى انه لا يفلح هذا العمل إلاً من أيدٍ طاهرة تقيّة نقيّة، فعمدوا الى إضافة طقوس روحانية الى عملهم، كما عمد آخرون الى الإعتقاد بان المصريين القدامى وصلوا الى هذا السر، فشرعوا بالتفتيش في معتقدات وفلسفة مصر القديمة وهكذا، الى أن أصبح العلم الخيميائي ذا شطر روحاني أكبر من الشطر المادي.
بتطور هذه الظواهر ترك كثير من الخيميائيين المختبرات التي إعتبروها جهد مادي محض، متجهين نحو العمل الروحاني النفسي والداخلي الصرف. معتبرين أن الحجر الحقيقي المفقود والذي إذا وجد وجب صقله هو الداخل الإنساني وليس المعادن الرخيصة.
فُسّرت عندها المخطوطات الخيميائية على أساس أنها أحجية سرية، كتبت بشكل ظاهر يبغى تحويل الرصاص الى ذهب، أما المقصود منه فهو تطوير النفس البشرية وما هذه الكتابات إلا الغاز كتبها مستنيرون بشكل رمزي للمستنيرين وللباحثين الحقيقيين، ولتضليل السجج المغامرين.
من هذه الكتابات الشهيرة التي تركت كليا العمل المخبري ليكون تركيزها على العمل الداخلي الكتابات المنسوبة الى كريسيان روزنكرويس (CRC) المعروف كمؤسس لجمعية وردة الصليب (Rose Croix). ومنها “العرس الخيميائي”.
من أشهر الصور التي لخصت العمل الخيميائي هي رسم ليان دوفريس (Jan de Vriese) في القرن السادس عشر.
لخصت هذه الرسمة علم الخيمياء وتطوره ويتطلب شرحها مطولات إلاً أنَّنا سنسرد بعض السطور الموجزة لإظهار بعض أوجهها.
هذه الصورة أُطلِقَ عليها إسم المختبر الخيميائي (Laboratoire de l’alchimiste).
لهذه الصورة طبقات:
- أولاها شكلها الدائري الذي يمثل العين للظاهر والبصيرة للعالم، وفي وسط الصورة باب مرصد المختبر، والممثل بؤبؤ العين والمنفِذ الى الخلفية المرجوة.
- الشق الأيمن تقام فيه الأعمال المخبرية، المختبر المادي.
- الشق الأيسر المعبد للتواصل الروحاني، لا تكتمل الصورة إلاً بشقيها.
- في الوسط طاولة الأدوات ومنها الموسيقى، والكتاب الخ.
- السقف بتقسيماته الثلاثة.
- الرموز الماسونية، الخ.
يحتاج كل قسم من هذه الصورة الى شرح مفصل لأنه جمع بشكل رمزي تمثيلي أو مستقل كثير من معارف وخبايا العلوم الهرمسية والخيميائية والرمزية والروحية الخ.
يوجد في مركز الدراسات عدد من الأعمال الهندسية والأبحاث التي تخرج وتظهر ما وصل إليه سابقونا من معرفة كونية وإنتظامية.
يعتبر مدخل المحفل لذي يظهر في وسط الصورة مع عاموديه ومثلثه من الإشارات التى أراد هذا الباحث التركيز عليها، فوضعها أولا في وسط الصورة وثانياً في الخلفية الثالثة.
في تقديم جمعية وردة الصليب (Rose Croix) سنعرض كتاب “العرس الخيميائي” (Les Noces Chymiques de Christian Rosenkreutz) الذي يظهر وجهاً آخر للرموز الخيميائية التي تجاوزت المختبر والمعبد لتقترب من باب الهيكل.
يتبين للناظر والباحث الحذق أن هناك تطوراً سلكته البشرية من خلال وعلى مدى قرون لتصل الى باب الهيكل. هذا الهيكل المتمثل في المحفل المستنير بأنوار الشمس والقمر، اللذان يعلوان سدة المحافل الماسونية.
الوصول الى عتبة المحفل تتطلب عملاً وجهداً وصدقاً واخلاصاً ومثابرة.
هذه العتبة عالية وعاصية على الجاهل وسهلة ومسهّلة للحر ولحرالفكر والناظر الى تحقيق ذاته وتطوير مقدّراته ومشاركة الآخرين في هذا.
هذه النزعة الأبية هي من صفات الباحث عن الماسونية.
– حقوق النشر: الدكتور ميشال الخوري © ٢٠٢١