الدراسات الماسونية

الدراسات الماسونية

     من قرأ وتصفّح رسائل الموقع لوجد مفهوم الديناميكية الماسونية الصحيحة، التي تنبع من حرية المرء كفرد مكوّن للمجتمع الى حرية تفكيره وإقتباسه أسس الفلسفية التي تناسبه مكاناً وزماناً، من دون أن تدخل في صراع مع من حوله. إن المسار الماسوني يؤمّن تناغم ما بين المتقدّم وجدانياً وأقرانه. كما يقال في المثل الشعبي “القدر الكبير يستوعب الصغير”. فمن يدّعي علم ومعرفة وسُموّ يمتنع عن الدخول في صراعات أوّلية وبدائية مع أقرانِه ومع من حوله. مكارم الأخلاق ترفع الفرد الى مقام حكمةٍ، والحكمة كالنّور لا تفرّق على أساسات المعتقد ولا العِرق واللّون واللغة الخ…

     الحكمة التي يتمتّع بها أهل العرفان لا توهمهم بتميّيز علوي وطبقي بل تدفعهم الى التواضع أكثر مع إخوتهم بالإنسانية. مرتكزين على فلسفة البنّائين يؤمن الماسون أنّ الإنسان كالحجر يخرج من باطن الأرض على فطرته وبالعمل عليه يحوّله النحّاة الى حجر مقصّب مشذّب ليأخذ مكانه في البناء، إن كان بصورة بنيوية أو تجميلية. كذلك الإنسان إذا ما توفّرت له الأدوات العلمية والحضارية والفلسفية، فهو بقادر أن يرتفع ويشارك إخوته بالإنسانية من دون النظر الى أصوله الأولى. للوصول الى هذه المرتبات يحتاج الإنسان الى تشذيب العوالق الوراثية البالية، عوالق لم يخلو منها مجتمع والعمل على نحت حجره، والنظر الى أخيه الإنسان بتجرُّدٍ تام.

     الدراسات التي ستنشر في هذا القسم هي دراسات ماسونية خالصة. بمعنى أنها ستترك كل ما تقدّم به الموقع سابقاً والذي كان من أهدافِه تقريب الفكر الحرّ للقارئ والباحث.

     غاية الدراسات الماسونية التي سنتشر في هذا القسم هو طرح مواضيع شغلت الفكر الإنساني مذ أن نظر الإنسان من حوله ووجد نفسه بغتةً أنّه ليس وحدهِ، لا جسديا تكوينياً ولا كعنصر حياتي. تساءل كما تساءلنا جميعاً من نحن؟ من أين أتينا؟ والى أين نذهب؟

     عَمدت الديانات على مختلف مشاربها الى تبيان فوارق بين البشر وما فوقهم. فوصفة السموات والأرض بطبقات كما البشرية بشعوبٍ وقبائل مختلفةً. ظهرت تيارات فلسفية غير دينية على مداد التاريخ نظرت الى البشرية بتقسيمٍ غير طبقي، بل رأت بأنّ البشرية تشبه بتطوّرها المتسلقين لجبلٍ، منحدراته ليست بدرجات مفترّقةٍ ومختلفة بل جوانب هذا الجبل كما في الطبيعة مشكّلة من منحدرات متواصلة. فلا فوارق وفواصل بين البشر بل حالات متطوّرة متّصلةٍ بسابقاتها ولاحقاتها. فهي بإرتكازها على فلسفة البنائين تجمع ما بين الروحانية والمادية، والفلسفة والعمل اليدوي، ومشاركة الأستاذ والتلميذ، والرجل والمرأة، والعالم والمبتدئ الخ… هي ديناميكية تفاعلية تقدّمية تعطي كل إنسان حقّه ومستحقّه معتمدةً على العمل الفردي والتكامل الجمعي والإكتساب من خبرة الأولين وتشذيبها لتقديمها للاحقين بحلّة أفضل، هي بكلمة واحدة “ديناميكية ماسونية”.

     يتوهّم من يعتقد بأنه بعد قراءة دراسة أو دراستين أو رسالة ورسالتين بأنّه سيحوي الفكر والديناميكية الماسونية. هذه لا تكتسب إلا بمخالطة الرجال الرجال بعد المرور بالتكريس الرمزي. كما قيل الحديد لا يسنّ إلا بما هو أقوى منه كذلك الرجال لا تكتسب ميزاتها وتنمّيها إلاً بعد مخالطة أمثالها من أصحاب الخبرة. الذين يقدّمون ما ورثوه الى الأجيال اللاّحقة من دون منّة ولاذلّة، بل من خلال قبضات صادقة ومعانقات أخوية ومسامرات تنويرية. كلّ ما خالف ذلك ليس بماسوني. إحذر أخي القارئ لأنه وكما وصفنا في إحدى الرسائل، الإنسان مكوّن من مكوِّنات الطبيعة، يصاب بآفات مثلها وللأسف هناك من يستغل الماسونية تحت شعارات ومقدّمات لإستغلال بعض النفوس الضعيفة التي تعتقد أنه وبسحر الدراهم والعلاقات الخاصة ستكتسب وتصل الى الفهم الماسوني الحقيقي، هذا وهم! العمل هو على مثال عمل البنائين وفلسفتهم بنحت الذات وصقلها، إنه الطريق الوحيد للوصول الى المفاهيم والقيم العرفانية السامية، والمتوهّم يشبّه من يبسط يديه الى الماء ولا يصلها فيبقى على عطشه…

     عرَف علم النفس العلاجات الموجّهة العلوية من قبل الطبيب الى المريض فهي بإتجاه واحد بالتشخيص والعلاج. ظهر في الحديث علاجات تفاعلية فهي تشرك المريض، ويتأقلم معها الطبيب، لإعطاء الأفضل لمريضه التي ثبّتت فعّاليتها وأعطت نتائج أفضل. هذا ما إستعمله الهرمسيين وأهل العرفان والماسون بنقل دراساتهم وتعاليمهم للأجيال اللاّحقة. لا تأخذ هذه الدراسات كعلوم عقائدية بل كتفكّرات وجدانية تفاعلية.

ضَعْ أدوات القياس نصب عينيك قبل قراآتك…

 – حقوق النشر: الدكتور ميشال الخوري  © ٢٠٢١

error: Content is protected !!