الطقوس الماسونية
فهم الفكر الماسوني يتطلّب فهم المشارب التي اعتمدت عليها الماسونية للوصول الى الحلّة التي هي عليها في أيامنا.
للأصول الماسونية شقّين، شقّ طَقسي وآخر فلسفي. سنقارب الشقّ الطّقسي في هذه الدراسة.
يتمثّل الشقّ الطّقسي بـ:
- الأعمال الطّقسية التي يستعملها الماسون لإفتتاح أعمالهم وإدارتها وإغلاقها.
- بعض الأعمال الطّقسية الرمزية التي تقام في الإنقلاب الشتوي والصيفي.
- الهيئآت المعروفة بالملابس والمآزر والأوشحة والزينة.
- طقوس التكريس المستعملة عند قبول شخص جديد.
هذه هي الأضلع الأربعة الأساسية التي تقوم عليها الطقوس الماسونية.
المتتبّع للطقوس الماسونية يجد تطوّر لهذه في الفترة الممتدّة من 1717 تاريخ إتحاد أربعة محافل بريطانية لإقامة إتّحاد أكبر الى أيامنا هذه.
الذي يعود بالتاريخ الى الأعمال الطقسية التي وجدت قبل سنة 1717 لوجد تباينات وإختلافات. لا يوجد صفة قدسية للطقوس، الذي قد يعطيها صفة صنمية. إثبات لذلك ولتطوّر هذه الطقوس، سيجد الباحث عشرات الطقوس المختلفة المستعملة من الجمعيات الماسونية في أيامنا. هناك طقوس أيكوسية، وفرنسية، ومصرية، وأميركية وأيكوسية متجدّدة، الخ…
هذا التنوّع يثبّت وبشكل قاطع أنّ الطقوس ليست إلاّ أداة رمزية، تستعمل للوصول الى الإطار الذي به ومن خلاله يقوم الماسون بأعمالهم. الطقسية ليست الغاية والهدف إنّما إحدى الأدوات الرمزية. الهدف من إجتماع الماسون هو القيام بأعمالهم، التي سنبيّن طبيعتها في الدراسات اللاّحقة.
ما هي المصادر التي إستعملها الماسون لإنشاء طقوسهم؟
لا يوجد كتاب على مثال التوراة، الأناجيل، القرآن، البغفات غيتا الخ…
كما لا يوجد مؤسّس أو بطرك ولا شيخ أكبر(Guru)، أو أساتذة عِظام مؤلّهين ولمدى الحياة (على مثال ما تجده في المحافل المنحرفة). بل يوجد مجالس، كمجلس الأستاذية الذي وبشورى أخوية يقوم بإدارة مصالح المجموعة، وينتخب ولفترة محدودة أشخاص للقيام بواجب الإدارة ولا يتمتّعون بمرتبة علوية ولا بتكريم معيّن خارج المحفل، الصفات هي لحسن سير الأمور داخل المحفل، أمّا في الخارج فالجميع متساويين. وعند الإنتهاء من مهامهم يعودون أفراد متساوين للآخرين داخل الهيكلية. لن تجد في الماسونية من تقبّل أياديه وتمسح على رجليه.
مصدر العلوم الماسونية كونية، فهي ترتكز على الفلسفات الطبيعية، الفلسفات الإغريقية واليونانية ومنها الى يومنا هذا. كما على الديانات الكتابية والغير كتابية، وعلى مدارس العلوم والغيبيات السابقة من مصرية وهندية وفارسية، كما وعلى مفكرين مستقلين الخ…
لا تدّعي الماسونية إمتلاك المعرفة، بل تمتلك إرث وتكمّل التفتيش على المعرفة مرتكزة على أعمال من سبق من الأخوة. هي فلسفة ومنهجية وضعية، على مقدار استيعاب كل مرء في زمانه ومكانه. فهي ترفض من يدّعي إمتلاك الحقيقة وحده، فهذه من طرق المبتدعين. الحقيقة عند الماسون لا تتباين من خلال التفكير العقلي فقط، فالعقل يرشدنا إلى المحظورات أمّا الحقيقة فداخلية من خلال الرموز. هنا نفهم المقولة “ما تلقفه القلب وقبله العقل ” هذه مقاربة من المقاربات الفلسفية الغنوصية. من هنا لايوجد طريق واحدة للوصول الى المقاربة “الخاصة بفرد” بل مقاربات فردية ومنها جماعية. يمثّل الماسون هذه المقاربة بالجوهرة ذات الأوجه المتعدّدة التي تزداد إشعاعاً بزيادة أوجهها. قد يخال للعقائدي الذي يملك فكر يَعْقُد عقله ووجدانه، باّن هذا يضلّل لأنه يُكثِر من الآراء. إلّا أنّ هذا الذي يضفي على العلوم الماسونية الصفة الجامعة والغير موسوعية، فهي فنّ كَفنّ العمارة. فلذلك يتناقلها الماسون تحت الصفة الرمزية. نفهم من هنا بأنّ الطقوس ليست بأشكالها بل بما يُتَناقل من خلالها.
كيف نفهم المكنون الرمزي. العلم عندما يكتب يدخل بالمحدودية. لا تستطيع أن تقيّم فكرة إلاّ بما وصفتها الكلمات والجمل المكتوبة، فيكون وصفها محدداً بهذه الكتابة. أمّا الفلسفة المنقولة عبر الوسائل الرمزية فهي غير محدودة. لأنّ الرمز يفهم من كل شخص بحسب إمكانياته الفكرية والإجتماعية والزمان الذي يعيش فيه، فهكذا بإنتقال المعرفة من جيل الى آخر من خلال الرمزية، لا تتأثر بناقلها ولا تتأثر بشكل محدّد لمفهومها بتحديدها بشكل كتابي الذي كثيراً ما يختلف مع الزمان.
الباحث اليَقظ والمقارن للنصوص يتبيّن له بأنّ كثير من الكتابات التي وصفت بالمقدسة عند الشعوب كافة شرقية كانت أم غربية تعرّضت كتاباتها المدّعات مقدسة الى الإختلف. ينتصب أهل البدع أمام منهجية الفلسفة الغنوصية بتقديم خطر التنوّع الغير قابل للضبط. وبأنّ الحقيقة المحددّة توحّد صفوف المتّبعين.
اعتبر أهل الفكرّ الحرّ ومنهم الماسون بأن التنوع يغني البشرية ولا يفرّط بمقدراتها. لأن التنوّع الفكري يُعتبر شكل من أشكال الفنون. والفرق بين العلم والفن هو بالمحدودية. علم الهندسة هو علم محدّد موثّق معروف، ولو طلبت من مهندس في اي بقعة من بقاع الأرض للقيام بأساسات لصرح، لوافقوا بأغلبيتهم على الأسس العلمية اللاّزمة. إنّما الشكل المعماري الذي يدخل في فن العمارة فهو غير محدود. لو طلبنا من فناني العمارة لوضع أسس هيكلية لبناء، لتنوّعت الأفكار وإختلفت الأشكال وتعدّدت بعدد دارسيها. هذا ليس بتفريط بل غنى للإنسانية.
هذا هو الفرق بين العلم والفن، من بعض ما تصنّف به الماسونية بأنّها “فن هرمسي” بالإضافة الى أنّها فلسفة غنوصية ودينامكية خيميائية ومدرسة بيتاغورسية ومعبّرة عن الفلسفة النسبية.
في هذا الإطار وعلى مثال الموسيقى نفهم ماهية الفن الهرمسي المتنوّع. الموسيقى مؤلّفة من عدد من النوتات والمقامات المحدّدة، إلّا أنّها وبتعبيرها غير محدودة. عدم المحدودية في الموسيقى غِنى للبشرية وليس شطط وإنفراط.
نجد هذا في اللغة والأدب. أحصى ابن مالك بأَلفيَّته جميع قواعد اللغة العربية، لو قارنها باحث مع ما كتب في الشعر والأدب والنثر لوجد إختلافاً كبيراً.
في العودة للطقوس، الطقس يبقى تعبير لإدارة مجتمع للبلوغ بمراده الى مبتغاه. وإختلاف هذه الطقوس كما في الماسونية، يزيل عنها الصفة الصنمية ويضعها في موضعها الصحيح المرافق والمسهّل للوصول الى الحالة أو الوضعية الميسّرة والمسهّلة لإقامة الأعمال.
أهل البدع يعتبرون الطقوس مقدّسة، كاملة ونهائية وهي العابرة بالفرد الى العوالم الأخرى. هذه مقاربة لا تعتمد على الفكر الحرّ ومرفوضة ماسونياً.
من يرى سحر وشعوذة والمُدخل بعوالم خيالية يعود لجهله وعدم معرفته بالطقوس الماسونية، أو لإسقاطه حِلَل قدسية على ما هو عمل إنساني وطبيعي قامت وتقوم به الشعوب مذ عرفناها تاريخياً، وفي أغلب الأحيان لإرتكانه على تخريفات بنيت ونُقلت عن مراجع غير موثوقة ولم تعتمد على دراسات علمية وأكادمية بل على سلطة ناشرها الزمنية، إقطاعية كانت إم دينية.
يجد الباحث أحد الطقوس الماسونية المشهورة المعروفة في هذا الموقع ويستطيع بعد قراءتها التحقّق بأنّ كلّ ما كتب ونشر عن الطقوس الماسونية ما هو إلّا خيالات. من أراد الإطِّلاع على طقوس أخرى لوجدها بسهولة على مواقع الشبكة العنكبوتية أو على مواقع معتمديها.
سيجد الباحث في الدراسات الماسونية المقبلة مقارنة بين الطقوس الماسونية المتعدّدة والمعتمدة من كثيرين.
– حقوق النشر: الدكتور ميشال الخوري © ٢٠٢١