العقل في الدين
تدعو الأديان المعروفة الى التعقّل والتفكّر وتتوجّه لأولي الألباب والنظر الى الطبيعة من طيور وغيرها التي لا تزرع ولا تحصد للتفكّر وأخذ العبر الى ما هنالك من أقوال تحثّ على إستعمال المنطق والعقل.
العقل، وإن وردت له تعاريف كثيرة، إلا أنّ المقصود به، هو ما يفهمه العقلاء والعرفاء، من أنّه القوة التي يستطيع بها الإنسان التمييز بين الصواب والخطأ وبين الخير والشرّ والنافع والضّار في جميع الأمور، بخلاف بعض الأديان التي ترزل العقل، إن لم يبني خلاصاته مرتكزاً على عقائدها.
اذا أعمل بوذياً عقله ووجد أن أحد الأديان أفضل من الدين السائد في مجتمعه، لأفتى علماء هذا الدين بأنه زنديق فاسق ويجب قتله لأنه مرتد؟ ربما يقول علماء هذا الدين أن هذا الشخص لم يستخدم عقله بل سار خلف الأهواء والشهوات وعقله عقل شيطاني و و.. ولكن هل هؤلاء البوذيين عندما آمنوا بدينهم اتبعوا عقولهم أم كان ذلك بسبب الوراثة والتربية والمحيط الاجتماعي؟ وربّما الكتابي أيضاً، أمن بدينه تبعاً لأهوائه وخوفاً من النار وطمعاً بالجنة أو الخوف من نقمة المجتمع والطمع في مكاسب إجتماعية وسياسية، فلماذا هذا الكيل بمكيالين؟
اذا كانت الديانات تحثّ على العقل والتعقّل فماذا نصنع بالنصوص الكثيرة المخالفة للعقل، قد يقال: إنّ ما ورد في النصوص من قضايا مخالفة للعقل هي من القضايا التعبّدية التي لا مجال للعقل فيها. كما يقول البعض بأنّ السماء انشقت وبكت على مرسليها وأن بعض الأئمة بكى دماً وبأنّ الله يتجسّد في المادة، ويعترضون على الهندوس بمعتقداتهم المسمّات ساذجة بتكلمة البقرة لبعض الرسل وبتبرّكهم ببولها. المشكلة أن علماء الأديان يستخدمون العقل فقط في إبطال مذاهب الآخرين ورؤية الثغرات والنقائص في دين الآخر ولا يستخدمونه لرؤية الثغرات والنقائص في متّبعيهم.
كما أنّ الله خالق ما في السموات والأرض، فالعقل من خَلْق الله وصُنْعِه. وعدم أعماله هو التقليل من أداة سخّرت لنا ولكن تسخيره لمذهب أو بدعة هو الطّامة الكبرى.
فبإسم العقل يتهجّم أحبار كلّ ديانة على مقدّسات الآخرين، ومعلوم انّ لكلّ قوم مقدّساتهم الدينية وغير الدينية، فالشيعة يتهجّمون على مقدسات أهل السنة ويطعنون بالصّحابة وعائشة والبخاري وغير ذلك، والسنة يطعنون بعقائد الشيعة من العصمة والإمام المنتظر والشعائر الحسينية وأنّها بدعة وخرافة، ومشايخ الإسلام يطعنون بالثالوث المسيحي والمسحيين لا يعترفون بالرسالة المحمدية، وكذلك بمقدّسات الغرب من حقوق الإنسان والحريّات ويسخفون من عقائد الهندوس والثنويين والصوفية والليبراليين والعلمانيين والقاعدة الأخلاقية تقرّر بأنّه: عامل الناس بمثل ماتحب أن يعاملوك به.
الغوص بمعتقدات الآخرين وترزيلها جريمة إنسانية، إذ أن الطرق جميعها تؤدي الى واحد ضمن مسميات متعدّدة.
ماذا يقول العرفانيون: اغسطينوس، تريزيا الكبرى، الأخت امانويل، المهاتما غاندي، المفكر باسكال، الغزالي، الرومي، الشيخ التيجاني، مرتضى مطهري، يرتبطون فيما بينهم “بشئ” ويتقاسمون أشياء.
قال الصوفي ذا الأصول المالية (مالي) وفي الحديث امادو امتابي با (Amadou Hampâté Bâ)، “للجبل قمّة واحدة، أما الطرق المؤديّة للقمّة تتعدّد”. هذا الشاهد يجسّد حقيقة الفكر العرفاني الفلسفي. ممّا يعنى وجود طرق أخرى قد تختلف عمّا هو سائد في مجتمع للوصول الى الهدف المرجو.
هناك تحذير يجب أن يبقيه الباحث أمام عينيه عند دراسة هذه االتيارات والمدارس، وهو الإحتراز من عدم الشطح في هذه المسارات التي وكالدوامة تجذب صاحبها وتبعده عن واقع إنسانيته.
المفكرين الأحرار عرفوا هذه المدارس والتيارات وعرفوا كيف يقيموا التوازن الخلاق ما بين المتوجبات المادية والروحية للفرد. ففلسفة المفكرين الأحرار تعطي إكتفاء وتوازناً كليين للشخص الإنساني انّى كانت جذوره الحضارية أو الفكرية أو الدينية، محافظة على خصوصيته وفاتحةً أمامه أبواب الفكر عامة.
إذا اقرّ الإنسان بربوبية الله فهذا هو الأصل الواحد، وكلّ متفرّع إن أوصل اليه كان صالحاً.
– حقوق النشر: الدكتور ميشال الخوري © ٢٠٢١