الماسونية والدين

الماسونية والدين

لا تتعارض المبادئ الماسونية ومعتقدات الديانات الكتابية اوحتى العقلانية والصوفية.

 

لا بل تَدعَم كل من يبحث من خلال معتقده أودينه لارساء المحبة والاخوة والسلام بين افراد الجنس البشري.

يشبّه الفلاسفة الماسونية بالماء التي تسري وتجري في عروق الجماد والنبات والحيوان والانسان، دون ان تتأثر سلبيا (هنا الاشارة الى الاجسام وليس الاديان) بملاقاة احداها بل تؤثر بالايجاب فيها جميعا.

 

الماسونية والمسيحية.

تتغذى الماسونية من افكار وحِكَم وتعاليم تواترت عن السيد المسيح. المبادى الماسونية للعالِم والخبير تتكامل اجتماعيا وانسانيا وحياتيا مع المبادئ المسيحية الاساسية. للأسف تفرق الجسم المسيحي وبحسب فهمه لتعاليم المسيح الى فئات كثيرة وعديدة اختلفت بالعدد ومنها الكاثوليكية والارثوذكسية والبروتستانتية بفروعها المتعددة الخ. ولا ننسى انه ومنذ انتشار التعاليم المسيحية ظهر الكثير من الفرق صغيرة الحجم فهمت المسيحية بطريقة اخرى وتعد هذه الفرق بالمئات. لسنا بصدد نقاش هذه الفرق ولا اعتبار اهميتها بكبرعددها أوبفهمها للفكر المسيحي انما ذكرت لملاحظة التعدد في تفسير وحياة الفكر المسيحي السامي كما عرف عن السيد المسيح.

 

لم يكن هناك تعارض اواختلاف بين الماسونية والسلطات الدينية المسيحية الحقيقية، الا انه وقع مع القليل منها وفي اواخر القرون الوسطى. لم يكن هذا الخلاف محصورا فقط مع الماسون انما كان مع كل من خالف هذه السلطات مدنيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا الخ. لان هذه السلطات كانت تتعاطى كل هذه الاعمال بجرأة وحرية… من المستهجن ان هذه الخلافات وقعت بين الكنيسة وفرنسا كدولة علمانية وجمهورية وكذلك مع بريطانيا كمملكة وككنيسة انجليكانية عندما انشقت الخ. جميع هذه الخلافات محاها الزمن ولا تذكر الا قليلا في كتب التاريخ. ولا يتمسك بعض افراد الكنائس الا بالخلاف مع الماسونية لانها اعتمدت سياسة عدم الرد على التهكمات والانتقادات الموجهة اليها…

 

على الرغم من هذا الخلاف الذي كان من طرف واحد لم يغيير الماسون تعاملهم واحترامهم مع كل من يدعوا الى عبادة الله والتعبير عن هذا الإيمان باعمال انسانية شفافة وبناءة على غرار ما قام به القديس فرنسيس الاسيزي أوالاخت تريزيا في الهند أوالاب بطرس (بييار) الباريسي، لا بل كان الماسون اول الداعمين لهؤلاء الخيرين واول المدافعين عنهم وعن غيرهم ممن تألقت حياته من خلال معتقد سليم.

اثباتا بأن المحاربة لم تكن الا من جهة واحدة وانه لم يكن هناك خلاف جوهري بحقيقة المعنى انما الخلاف كان، كما كان مع كثيرين خلافاً سياسياَ واجتماعياَ واقتصادياَ الخ. انما تستر بلبوس الدين، هوانه وحتى يومنا هذا لا يقبل شخص ضمن العشيرة الماسونية في البلدان الاسكندنافية الا اذا كان مسيحياَ مؤمناَ وملتزماَ. في كثير من البلدان كالولايات المتحدة الاميركية هذا الخلاف ليس له أي وجود مع الاغلبية الساحقة من الكنائس المسيحية.

 

 

الماسونية والاسلام.

اكثر ما تلتقى الماسونية اجتماعيا هومع جوهر الاسلام الحنيف الذي لخص حقيقة التعدد البشري واختلاف الناس بالوانهم وثقافاتهم وعاداتهم واثنياتهم، اذ يذكرنا القرآن في سورة الحجرات باسباب هذه الاختلافات فيقول:” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”. هذا ملخص للفكر الماسوني السليم الذي لا ينظر الى اختلاف الآخر ومهما كان هذا الاختلاف عرقياَ، اثنياَ، لغوياَ، جغرافياَ الخ. انما التركيز على العمل مع الآخرين من خلال كرم الاخلاق والكرم الانساني الذي هوالهدف وهوالمعبر عن حقيقة الايمان ان كان صادقا…يضيف الكتاب العزيز اسمى ما كتب في احترام الآخر وحريته ومعتقده بالقول”لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” و”لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ“، هذه الالفاظ هي من صلب معتقد الماسوني الحر. 

 

عرف الكثير من علماء المسلمين الذين التحقوا بالماسونية ونذكر منهم المجدد الكبير الامام الافغاني الذي وعلى الرغم من شهرته لم يذكر يوما اسم طائفته والى ايامنا هذه تتجاذبه الطوائف الاسلامية للاعتزاز به. لا ننسى المفكر الكبير والعالم الفقيه محمد عبدوالازهري المصري. ويبقى الامير عبد القادر الجزائري المثال الاعلى للمسلم الماسوني الملتزم الذي كان له الفضل الاول بعدم امتداد فتنة 1860 الطائفية التى اندلعت في لبنان الى سورية.

 

بعض الكتّاب في العصر الحديث اعتمدوا على كتابات ودراسات المستشرقيين، الذين لا يخفى على احدٍ اليوم أن عملهم كان بطلب من بعض السلطات الدينية التي اتهمت كل مختلف عنها باسوأ الصفات والنعوت ومن بين المختلفين معها الماسون.

 

 الجوهر الماسوني واحد انما اختلف في التاريخ وفي رده الى اصل واحد هذا اثبات بأن الماسونية انسانية عالمية وجدت مع وجود الانسان على وجه هذه المعمورة. فبتواجد مسيحيين ومسلمين وبوذيين في صفوف الماسون، اعطى هؤلاء للماسونية لونا وصفة وتاريخ وردوا اصول الماسونية الى تاريخهم عندما تبين لهم ان بعض الرموز موجودة في كتبهم. كذلك وجد بين صفوف الماسون اخوة يهود من اتباع الديانات الكتابية وردوا اصل الماسونية الى رموز وجدوها في كتابهم التوراة. استغلت بعض السلطات الكنسية هذه الافكار لتتهم الماسونية بالصهيونية واليهودية، اتهامات استغلها بعض الكتبة في سبيل الربح الرخيص والشهرة الزائفة بعيدين كل البعد عن الاسلوب العلمي والاكاديمي المبين للنصوص وخلفياتها. من هنا العتب على من يدّعي كتابة التاريخ ويترجم كتب لم يكن له اليد في دراستها وتمحيصها ولا الاستعلام عن كاتبيها ومحرريها ولأسف وقعت كثير من الكتابات الحديثة في هذا الخطأ!

 

الرموز الماسونية قديمة قدم الانسان وقد وجد الباحثون رموزاَ ماسونية على نواميس تعود الى ما قبل التوقيت الميلادي واليهودي اذ وجد على نواميس صينية رسوم ماسونية تعود الى اكثر من 4000 سنة قبل الميلاد. فبعض الاخوة من اصل صيني قد يعتبرون ان اصول الماسونية صينية. كما وجدت رموز ماسونية على نواميس فرعونية ويعزو بعض الاخوة ان اصل الماسونية فرعوني مصري ويقومون بشعائر فرعونية هي “ممفيس مسرايم”. ومنهم من قال انها تعود الى ايام نوح وسليمان او اليونان القديمة.

 

وبكلام آخر أن الماسونية تستجمع رموزا كونية قد نجد آثارها وحضورها في كثير من ثقافات الامم والاديان القديمة.

 

جذور كنعانية.

الماسونية عينها تحفظ في درجاتها الرمزية درجة استاذ وهي الاعلى والاخيرة في الماسونية القديمة الى شخصية كنعانية هي حيرام ابي ابن صور المكلف من قبل ملكه تلبية خدمة الملك سليمان للاشراف على انجاز الهيكل الموعود.

 

وحيرام هذا فنّان، صائغ، ومفكر اشرف على بناء وتزيين الهيكل بصفته مهندس بنائي ومهندس صناعي ومهندس تزييني.

هذه الهندسات والرموز والمدلولات موروثة حضارة ومفاهيم حضارية للشعب الكنعاني باسقاطات عقل هذا المهندس الصوري.

والماسونية عينها تحفظ، في درجاتها الكمالية المستجدة، الدرجة الثانية والعشرين لاسم امير لبنان أي رئيس الفعلة في الغابة المعد خشبها المقطوع مادة لصناعة أو لنجارة حيرام ابي في الهيكل.

هذان الحدثان والشخصيتان دلل عليهما النص التوراتي في كتاب سفر الملوك، كما يستدل بعض الاخوة اللبنانيين على أن الماسونية لبنانية! لوجود رواية حول الناووس المتواجد حتى تاريخه في بلدة حنويه في قضاء صور والذي يقول البعض أنه ناووس حيرام ابي.

ما تزال الابحاث الفكرية والتاريخية والاثرية تعمل على اكتشاف جذورية الماسونية عند شعوب البناء الكنعانيين باعتبار أن اليهود كانوا شعوباً تميل الى البداوة وليست شعوباً بنائية كما أن طبيعة كل من لبنان وفلسطين وصخرية الاول قد فرضت التعمق في علم العمران و البنائية.

 

على الرغم من اختلاف بعض الطقوس الا ان الاصل والجوهر بقى ويبقى واحد والماسونية هي هي في جميع صدور الاحرار مهما اختلفت ظواهرهم، فهذه الاختلافات اغنت وتغني ولم تكن يوما سبب تفرقة، فالتعدد هو سبب من اسباب الوحدة.

 – حقوق النشر: الدكتور ميشال الخوري  © ٢٠٢١

error: Content is protected !!