تعليم المبتدئ
تمهيد :
قد يكون هذا التعليم مقتضباً جداً، إلّا أنّه يكفي لكي يفتح أمام المبتدئ باباً للتفكير والتأمل والإستنتاج، ثمّ للسؤال بعدئذ عمّا يشكّل عليه، الى أن يصل الى الدرجة التي تلي فيجد فيها جواباً عن كثير من الأمور التي تبدو هنا غير كافية لإرواء غليل المعرفة.
ولا يفوتن الأخ الر\ م \ أن عليه في كل مناسبة أن يشرح القضايا الواردة في هذه المعلومات لتمكين المبتدئ من إستيعابها، ولإعداده الإعداد الحسن لقبول الدرجات اللاحقة وتفهمها والتقيّد بأحكامها.
1-الماسونية:
الماسونية إتّحاد قائم بين رجال مثقّفين، يعملون متعاونين في سبيل الكمال العقلي والمعنوي، وفي سبيل خير الإنسانية.
إنّها الرابطة القوية التي توحّد بين أبناء الفكر الحرّ وتعمل أفضل من أي مؤسسة أخرى على ربط البشر بعضهم ببعض ورفع مستواهم الإنساني.
2-البنّاء الحرّ:
البنّاء الحرّ هو الرجل (كلمة تشمل رجل وامرأة) الحرّ وطيب السيرة وصديقاً للفقير والغني على السواء متى كانا فاضلين. والقصد بالقول بالحرً هو الإشارة الى حالته قبل وبعد الخروج من غرفة التأمل، وعند إعطائه النور، فينعتق من عبودية شهواته ورغباته الوضيعة التي يجب أن تموت حياته السابقة. أما القول بصداقة الفقير والغني على السواء متى كانا فاضلين فيراد به التأكيد بأن قيمة الفرد إنّما هي بنسبة ما في قرارة نفسه من فضيلة وخير. والبنّاء الحرّ يمارس الفضيلة والمحبة، وينتصر للعدالة والحق والجمال، ويبتعد عن كل ما هو سيء ومنكر وقبيح.
عندما قلنا أن الماسونية إتّحاد قائم بين رجال مثقفين لم نقصد أن يكونوا خرّيجي الجامعات وحاملي أعلى الشهادات، بل المقصود بالثقافة التحلّي بالعادات الحميدة، وإحراز الصّفات النبيلة، وأن يكون ثمّة عقل نيّر، وإرادة صلبة، وروح تميل الى التسامي.
يصبح المرء ماسونياً عندما يتفتح عقله لإدراك الأسرار الماسونية وفهمها ثم سلوك طريق المعرفة والفضيلة.
3-الرغبة بدخول الماسونية:
لئن رغب المرء في أن يصير ماسونياً فذلك لأنّه يكون في الظلمة فينزع الى إحراز النور، وبتعبير آخر إن المجتمع الذي يعيش فيه ما هو إلّا على جزءٍ يسير من الثقافة والمعرفة الإنسانية الباطنية وتبقى الحقائق الرئيسية فيه محجوبة بالظلال الكثيف، فالجهل يقتلها، والإبتسار يفسدها، والعنف يقضي على الحق والعدل فيها، إن النور والحقيقة ما كان لهما أن يلتقيا ويتوافرا على خير ما هما ملتقيان ومتوافران في هيكل الماسونية المكرّس لبناء الذات وبناء المجتمع، بإشراف رجال مختارين محبّين ومدرّبين، هذا السبب هو جوهري وكاف لكي يحمل الرجل الواعي على الرغبة بدخول الماسونية.
4-التهيّؤ لدخول الماسونية:
لكي يصبح المرء بناءاً حراً يجب أن يعدّ نفسه في أعماق قلبه فيصمم على أن يصلح ما إلتوى من عاداته، ويبني من نفسه رجلاً كريماً فاضلاً، ويتعوّد محبة الآخرين، ومساعدتهم بصدق فيرى ما فيهم من خير فيشجعه وينمّيه، ويرى ما فيهم من شرّ فيدافعه ويلاشيه، وعندما يوضع المرء في غرفة التأمل لإعداد نفسه، فإن أهمّ ما يجب أن يفكّر به هو موت حياته السابقة بكل ما فيها من أوزار، وبدء حياة جديدة إنسانية فاضلة في أحضان الماسونية.
5-حجب عينيّ الطالب:
يقدم الطالب الى المحفل معصوب العينين لأنّه لا يحتاج الى رؤية شيء إلّا ما يمكن أن تراه البصيرة فحسب.
لا يكفي أن نضع الإنسان في حضرة الحقيقة لينقاد اليه فهمها وإدراكها، فالنور لا يضيء العقل البشري إلّا إذا خلص من كلّ ما قد يحجب إشعاعه وما دام الوهم والجهل يعمي بصائرنا فإن الظلمة تلفّنا ولو كانت عيوننا مفتّحة، وتفقدنا الشعور بعظمة الحق، لئن حجب العصابة بصر الطالب فيجب أن تبقى بصيرته طليقة مرهفة.
6-قرع باب الهيكل:
يقرع باب الهيكل بلا إنتظام لإدخال الطالب، أمّا القرعات النظامية فهي ثـ \ وترمز الى التواصي المأثورة: اطلب فتعطى (النور) ابحث فتجد (الحقيقة)، اقرع فيفتح لك (باب المحفل).
7-حالة الطالب عند دخول الهيكل:
يدخل الطالب الهيكل لا كاسياً ولا عارياً بل في حالة محتشمة مجرّداً من جميع المعادن والحلي، ينزع عنه بعض ثيابه إشارة إلى أن الفضيلة لا تحتاج الى الزخارف، ويكشف صدره عن جهة القلب إشارة الى ملء هذا القلب بالإخلاص والصراحة، ويحسر عن الذراع اليسرى لتأكيد استعداده للعمل، وتعرّي ركبته رمزاً الى التواضع الذي يجب أن يسود تصرفاته في بحثه عن الحقيقة، ويوضع في عنقه حبل من كتّان رمز التوعية والإنقياد للقوانين الإنسانية.
أما تجريده من المعادن فيرمز الى الزهد بالعرض الزائل وتمرين له على التخلّي عن كل ما قد يعيق سيره نحو الكمال، وأخيراً لتمكين الرأفة في قلبه حتى إذا رأى أحد إخوانه في شدّة يبادر إلى نجدته ذاكراً هذه اللحظة التي كان فيها مجرّداً من كل ثروة. أضف الى ذلك أنّه يجب عليه أن يترك كل الحاجات الأرضية المرموز اليها بالثياب، وكل ما هو مادي المرموز اليه بالنقود، وجميع الشهوات المرموز اليها بالحليّ والتركيز على الجوهر.
8-الرحلات الثلاث:
يدفع الطالب عند التكريس الى رحلات رمزية ثلاث تمثّل طريق البحث عن الحقيقة فتبدأ صعبة ثمّ تهون تدريجياً. إن المرور بها يدلّ بادئ ذي بدء على الثقة والجرأة وحسن الإنقياد، فالرحلة الأولى ترمز الى حياة الإنسان وتمثّل بالضجيج والجلبة، الشهوات والنوازع الوضيعة التي تساور البشر، وبالعراقيل والعقبات، المصاعب التي تكتنف حياة الإنسان.
وفي الطواف الثاني الذي تنخفض فيه الجلبة وتقلّ العراقيل يرمز الى الثبات الذي يجب أن يعتصم به المرء في حياته لقمع شهواته وانتزاع بذور الشرّ من قلبه والتغلّب على كل العقبات التي تقف في طريق كماله.
وفي طوافه الثالث التي تتلاشى فيه كل جلبة وكل عقبة يرمز الى النجاح الذي يحرزه بحزم العزم صادقاً وسلوك طريق الفضيلة والبحث عن الحقيقة.
والأنوار الكبرى هي دستور اندرسون، والز \ لتنظيم أعمالنا والبر\ لحفظنا ضمن الحدود اللائقة التي تربطنا مع الناس عامةً ومع إخواننا بصورة خاصة.
وتوضع الأنوار الكبرى على منصّة أمام الدرجة الأولى من الشرق لكي يشمل نورها الجميع ، ولها وضع خاص في درجة المبتدئ يتغيّر في كل درجة بنسبة تغير ما يجب أن ينطلق من نورها في الهيكل، إذ أن دستور اندرسون يرمز الى القاعدة والمسلك، والز\ الى المادة العارضة، والبر\ الى الباطن الفلسفي.
9-الأسرار الماسونية والقسم:
يؤدّي الطالب يمين الولاء للماسونية فيتعهّد بالحفاظ على أسرارها وليس المقصود تلك التي تؤدي الى التعارف فحسب بل خصوصاً التي تؤول الى معرفة الحقائق التجريدية التي تعبّر عنها الرموز الماسونية ويتعهّد أمام إخوانه بأن يتصرّف دائماً كماسوني.
10-الأنوار العظمى والأنوار الصغرى ومكانها:
عندما ترفع العصابة عن عيني الطالب ويرشده الر\ الم\ الى مصادر النور في الماسونية فالأنوار الصغرى هي الشمس لحكم النهار وتمثّل العقل الذي ينير البصائر، والقمر لحكم الليل ويمثّل الخيال الذي يضفي على الأفكار شكلها الخاص، والر\ الم\ لإدارة المحفل ويمثّل الجوهر الواعي الذي يضيء تحت التأثير المزدوج الصادر عن العقل (الشمس) وعن الخيال (القمر).
يكون مكان الر\ الم\ في الشرق، والشمس تكون في سماء المحفل من جهة الجنوب حيث النهار، والقمر من جهة الشمال حيث الليل، فيؤلّفان مع الدلتا المنيرة مثلّثاً قائم الزوايا، بذلك يتحدّد الوضع الفلكي للشمس والقمر بالنسبة الى الشرق، ويحدّد طريق مسيرها: من الشرق الى الجنوب الى الغرب الى الشمال، وفي هذا الإتجاه تنظّم الحركة في المحفل.
يقود حلقة الإتحاد أحد الأخوان، فيذكر المناسبة التي من أجلها تعقد الحلقة، ويعلق على ذلك بما يكون ملائماً، وعندما يأمر بفصم حلقة الإتحاد تعلو الأيدي المتماسكة وتهبط مع الهتاف الخاص بالدرجة ثلاث مرات رمزاً الى الوحدة الأخوية الماسونية في العالم.
11-الدلتا المنيرة:
الدلتا المنيرة هي نور الدرجة الأولى، وتتألّف من مثلث قائم الزوايا وعين في وسطه، وأشعّة تحيط بهما، ثمّ حلقة من الغيوم، فالمثلّث الذي يمثّل حرف دلتا اليوناني ويحمل اسمه يرمز الى الحكمة، والعين الى العين الداخلية الباطنية الحاضرة الناظرة التي لا يفوتها شيء ولا يخفى عليها شيء، والأشعة ترمز الى المعرفة، والغيوم الى كل ما يغشى الفكر من أشياء سيئة تصيب الإنسان كالشهوات والطمع والغيرة والطيش والعناد وسوء النية والتعصب الديني وغيرها.
ويمكن تعريف الدلتا المنيرة بأنّها رمز الى القوّة الكونية الواعية كل شيء، والمحبة بذاتها، والنابذة كل ما هو عدم.
12-حلقة الإتحاد:
تتألّف حلقة الإتحاد من أبناء المحفل بتصليب الذراعين، والإمساك بالأكّف، فيتراص الأخوان، الكتف الى الكتف، رمزاً لإتحاد حجارة هيكل الأخوة العالمية.
13-مئزر المبتدئ:
يكون مصنوعاً من الجلد الأبيض مستطيلاً من جهاته العليا الثلاث، أمّا السفلى فمستديرة للدلالة على أن لابسها ما زال في دور التكوين الذاتي، وهو يرمز الى الحجر الخام الممثّل بشخص المبتدئ.
ثنية المئزر تكون مرفوعة لوقاية الثياب من الأوساخ وتناثر الطين، وهو يرمز الى الحمية المتأجّجة التي تحرّك المبتدئ في إتجاهين: أحدهما لتكوين شخصيّته الماسونية وعقليته، ذلك أن العالم الذي عليه أن يدرسه لا يُدرك إلّا بالمفاهيم العقلية والروحية، والثاني لشحذ عزيمته وتقوية إرادته للثبات في البحث عن الحقيقة.
14-وقفة المبتدئ وخطواته:
يقف المبتدئ معتدل القامة فيكون إعتدال جسمه دليلاً على إعتدال عقله، وإنتظام وضع قدميه دليلاً على إستقامة سيرته. وخطوات المبتدئ ترمز الى الجدّ الذي يجب أن يبديه في سيره نحو من يرشده وينيره.
15-التعرّف على المبتدئ:
يُعرف المبتدئ بإشارة ولمسة وكلمة.
محظور على المبتدئ إعطاء هذه الكلمة كاملة.
16-شغل المبتدئ:
يعمل المبتدئ في نحت الحجر الخام لتخليصه من التعادي الذي فيه، ويعطيه شكلاً هندسياً يناسب الغاية التي يهيأ لها. هذا الحجر الخام النتاج البدائي المزوّد بالمواهب التي تتيح للفن أن يصقله ويهذّبه، هو الإنسان نفسه، هو أنت أيّها المبتدئ.
عليك أن تلاحظ أنّك تدخل في بيئة لا تعرف عنها أي شيء راهن، وأنّك، أنت حجر خام، لا تستطيع أن تدخل في بنية العمارة التي تعمل هذه البيئة على بنائها، إذ لم تنجح في أن تزيح من الوجود ذلك الرجل القديم الذي مات في غرفة التأمّل، وأن تحلّ محلّه الحجر الخام الذي هو أنت الآن.
الجهّة التي تجلس فيها في المحفل هي منطقة الليل، حيث يقلّ النور، وتكون فيها تحت تأثير القمر ولا تتلقّى أيّة مساعدة من الخارج، إنّها منطقة الصمت التي قد تكون صعبة جداً عليك إذا لم تسترسل إليها برضى وقبول.
وعليك إذاً أن تهتم بمعرفة نفسك وتطوير ذاتك عملاً بالقول المأثور “إعرف نفسك” وأن تتذكّر دائماً أن على الماسوني أن يصنع هو نفسه، وأن يكون هو معلّم نفسه، وإخوانه يساعدونه.
عندما تكون متوفّراً على بناء شخصيتك الماسونية، وتكون قد أحرزت شيئاً من التقدّم فإن النور يصل اليكَ غزيراً أحياناً، فتتمكن من تمييز الألوان، لكن حذار أن تغترّ، فالنور غير كافٍ، وهذا قد يؤول بكَ الى الإلتباس في رؤية الأشياء المتشابهة الظاهرة وهي في واقعها متباينة، أن عليكَ أن تصرف نظرك عن كل شيء، وأن تكبّ طوال مدّة بقائك في هذه الدرجة على تكييف نفسك والسير بها قُدُماً نحو التسامي.
من الثابت أن الفكر يساعد الروح على الترقّي والصفاء، فعلى المبتدئ أن يتمرّن على التأمل فإنه خير وسيلة للتأثير في الكيان الداخلي.
هذا الصمت في الواقع هو القاعدة المفروضة على المبتدئ في كل مسلك عرفاني، وهو غالباً لا يطيقه في البدء لكنه يكتشف بعد حين أن في هذا الصمت تفسيراً لمعنى القول “الماسوني هو معلّم نفسه”.
17-عدّة شغل المبتدئ:
أدوات العمال للبناء المبتدئ هي الذراع لقياس الأشغال، والقدوم لإزالة الزوائد والعقد البارزة، والأزميل لإزالة التعادي من الحجر ونحته وجعله صالحاً للإستعمال.
أمّا المبتدئ في الماسونية فهذه الأدوات عنده ترمز الى ما يلي: الذر \ المؤلف من 24 قيراطاً يرمز الى عدّة ساعات اليوم التي يلزم قضاء جزء منها في التأمّل والعبادة، وجزء في العمل الجاد، وجزء في الراحة بل كسل. والقد\ يرمز الى همّة النفس التي تقلع الباطل، والى القوة في الجدّ والعمل إذ بدون ذلك لا يتحقق شيء ممّا نريد. والأز \ يرمز الى المواظبة على الجهد المتواصل في السعي لكسب المعرفة ومزاولة الفضيلة لكي نكون أعضاء صالحين في عائلة البنائين الأحرار ثم في المجتمع.
18-عمر المبتدئ:
عمر المبتدئ ثـ \ س \ لأن التعاليم التي تلقّاها تنحصر في الأعداد الثلاث الأولى، وهذه الأسرار هي النتائج المنطقية المستخلصة من الخصائص الجوهرية للأعداد، والعقل يستند الى هذه المبادئ التجريدية عندما يحاول حلّ مشكلة وجود الكائنات. فالعدد واحد يدلّ على أن الكلّ واحد ولا شيء يمكنه الوجود خارج هذا الكلّ. ثمّ جاء العقل البشري فاصطنع لهذا الواحد حدوداً فإذا به ينحصر بين طرفين وهميّن ليس لهما وجود إلّا في ما تعيرهما إيّاه الكلمة من مظهر زائف للحقيقة. أمّا الرقم ثلاثة فهو رمز الحقيقة أو الكائن . إن كل كائن أو كل ما هو موجود يبدو لنا كأنّما ثالث أو حدّ وسط يجتمع فيه الطرفان المتقابلان.
19-مكان المبتدئ في الهيكل:
يجلس المبتدئ دائماً في الجهة الشمالية من الهيكل حيث لا يزال النور باهتاً لأن معرفتهم الماسونية ما برحت ضئيلة، ولأن أبصارهم لا تتحمّل بعد النظر الى النور الساطع.
20-كلام المبتدئ:
أول ما يجب أن يتعلّمه المبتدئ هو الصمت والإصغاء والتفكير.
21-المبتدئ كتوم وحذر:
المبتدئ يذكر دائماً أنّه مؤتمن على أسرار يجب ألّا يبوح بها حفاظاً على كرامته وشرف نفسه، وحفاظاً على القَسَم الذي ألزم به نفسه.
22-أمنية المبتدئ زيادة أجره:
المبتدئ في الماسونية يطمح دائماً الى زيادة أجرته بنسبة تقدّمه. والمقصود من الأجرة هو المكافأة عن أعمال البناء أي البناء الذاتي والتطوّر نحو الكمال وذلك بقبوله في درجة أعلى. إن عمود بـ \ الذي تدفع الأجور بقربه يرمز الى الطاقة المنتجة التي هي مصدر النشاط في المركز الشعوري الذي اليه يعود مفهوم “الأنا”. فالبنّاء المبتدئ يجب أن يغوص في أعماق نفسه باحثاً في مطاوي عقله النيّر عن عناصر المعرفة ومبادئ الحقيقة.
23-المحفل:
كلمة محفل تعني المكان الذي ينجز فيه البنّاؤون الأحرار أشغالهم بسريّة وكتمان. والموجب لهذه السريّة هو أن جميع القوى المفيدة المعدّة للإنتشار في الخارج يجب أن تتجمّع أولاً في ذاتها الى أن تنضج وتحرز أقصى طاقاتها الإمتدادية.
والمحفل المقفل المنتظم قانونياً يمكن تشبيهه بخلية عضوية أو على الأصحّ ببيضة تحتوي على كائن له طاقة الصيرورة. فضلاً عن أن العقل المفكّر هو بدوره يشبه المشغل المغلق، إنّه مجمع مذاكرة وتداول مصون من كل تشويش خارجي.
24-شكل المحفل:
شكل المحفل مربّع مستطيل يتّجه من الشرق الى الغرب طولاً كجميع الهياكل القديمة وهذا يرجع الى أن الماسونية ترشد إتباعها الى المصدر الذي يأتي منه النور، ويبقى على البنّاء الحرّ أن يلتمس طريقه بنفسه ليفوز بالحقيقة، وتجب الإشارة الى أن الكاتدرائيات والمعابد القديمة التي شادها البناؤون الأحرار، تتّخذ جميعها هذا الإتجاه.
ويتّجه عرض المحفل من الجنوب الى الشمال، وعلوّه من السمت الى النظير، وهذه الأبعاد تعني أن الماسونية عالمية.
والمحفل في هذه الدرجة يرمز الى العالم، وهو يرتكز على ثلاث دعامات كبيرة تدعى الحكمة والقوة والجمال، فالحكمة تعقل وتبدّع، والقوة تعمل وتنفذ، والجمال يزين ويسعد.
25-أرض المحفل:
تتألف أرض المحفل من البلاط المرصوف بالتعاقب، ومتوازياً مع جدرانه، وفي وسط الهيكل داخل الأعمدة الثلاث بلاط أبيض وأسود وتدعى فسيفساء المحفل، وترمز الى الإتّزان الكوني، والى التضعضع الكوني أيضاً، عملاً بقانون التقابل الثنائي.
26-أوقات العمل الرمزية:
لا بدّ قبل بدء أعمال المحفل من الإستعلام عن الوقت لأن العمل لا يكون مجدياً إلّا إذا جاء في وقته، والنجاح لا يتحقّق إلّا إذا بوشر السعي إليه في الموعد المناسب، فاللّجاجة والتباطؤ يؤدّيان الى الإخفاق على حدّ سواء.
يفتتح البناؤون الأحرار أعمالهم رمزياً عند الظهر ويقفونها عند منتصف الليل، وهذا يرمز الى أن الإنسان ينجز نصف أعماله في الدنيا ويبلغ منتصف عمره في الحياة قبل أن يستطيع أن يكون نافعاً للآخرين (تذكّر سن الأربعين الذي تُحُدِّث عنه سابقا) ، إلّا أنّه منذ ذلك الوقت وحتى ساعاته الأخيرة يجب أن يعمل دونما كلل ولا ملل في سبيل تطوير ذاته وإسعاد الآخرين، فحياته الحقيقية تبدأ إذاً منذ ذلك الحين.
– حقوق النشر: الدكتور ميشال الخوري © ٢٠٢١