كتابات في اصول الماسونية.
دستور اندرسون.
يعيد المؤرخين تاريخ الماسونية الحديثة الى الانقلاب الصيفي من سنة 1717. في الرابع والعشرين من حزيران (يونيو) من سنة 1717، شهدنا نشأة اتحاد اربعة محافل انجليزية كانت تجتمع في اربعة فنادق صغيرة اشتهرت باسمائها الخاصة وهي (A l’oie et au grill, A la Couronne, A la taverne du pommier, A la taverne de la coupe de raisin). هذا الاتحاد هو بين هذه المحافل الاربعة فقط ولم يكن اساساً لبناء فلسفة او عقيدة جديدة. اذ ان هذه المحافل كانت موجودة كغيرها قبل سنة 1717.
اول استاذ اعظم لهذا الاتحاد كان انطوان ساير (Antoine Sayer) تبعه سنة 1718 جورج باين (Georges Payne) ومن ثم تيوفيل ديزاغليي (Théophile Desaguliers) الذي كان دكتوراً في الحقوق.
لم يشارك اندرسون في هذا التكوين الاولي. الا انه كتب في المقدمة انه وفي اثناء تولي رئاسة الاستاذ الاعظم مونتيغو (Montaigu) انخرط في المؤسسة رجالات دين وجامعيين. اختير اندرسون لاعادة صياغة الدستور القديم وكوّنت المحافل لجنة من اربعة عشر اخ لمتابعة هذه الصياغة. وفي شهر اذار من سنة 1722 صُدِّق الدستور تحت رعاية الاستاذ الاعظم الدوك فيليب دو وارتون (le duc Philippe de Wharton). اعيد طباعة الدستور سنة 1738 وظهر متوازيا معه كتاب منحول لبث البلبلة بيد وليام سميس (William Smith) تحت مسمّى الكتاب المعين للماسوني.
الكتاب مؤلف من 96 صفحة ارتكز على الكتابات القديمة ومنها “الواجبات القديمة”، الريجيوس (1390 Regius) و الكوك ( 1410Cooke). هذا يثبت أن الماسونية كانت موجودة قبل سنة 1717 التي عمد فيها الى تأسيس الاتحاد المعروف. لم تقبل جميع المحافل هذه السلطة الجديدة التي اتهمتها باقامة حاجب ما بين الماضي والحاضر. انتهى هذا الفارق بجمع جميع المحافل في سنة 1815 تحت مسمى “المحفل البريطاني الكبير المتحد”. اعتمد فيما بعد المحفل الفرنسي الكبير ما سمّي ب “واجبات الماسوني” (Obligations d’un Franc-Maçon) التي تعتبر القاسم المشترك للماسون عامة.
يتألف كتاب اندرسون من ثلاثة اقسام، مقدمة تاريخية، واجبات الماسوني وثالثة جمعت اناشيد واغاني ماسونية.
القسم الاول.
القسم الاول يدرج تاريخ فن العمارة الذي يصهره مع تاريخ جمعية الرفقاء والبنائين (قيمته التاريخية ضعيفة). كتب كثيرا عن هذه المقدمة لتصحيح ما جاء فيها من اغلاط. هذا عمل تاريخي ويتطلب باحثيين متمكنين ما لم يتصف به اندرسون. صحح الاخوة المؤرخين هذا القسم في كتب ومنشورات لاحقة. تمتلك المحافل في ايامنا مخطوطات ومستندات ودراسات تبيّن بوضوح تاريخ عشيرة البنائين الاحرار الماسون.
القسم الثاني.
واجبات الماسوني:
1- فيما يخص الله والدين.
2- فيما يخص السلطات المدنية.
3- ما له علاقة بالمحافل.
4- ما يتعلق بالاساتذة والمدبّرين.
5- ارشادات للعمل المحفلي.
6- اداب التصرف والعمل في المحفل المغلق، عند الانتهاء من العمل في غرفة الممالحة، عند التقاء الاخوة فيما بينهم، وعند وجود غرباء، في المنزل ومع الجوار وكيفية التصرف مع اخ اجنبي.
واجبات الماسوني.
1- فيما يخص الله والدين.
الماسوني ملزم بحسب موقعه ان يخضع للقوانين الاخلاقية على ان لا يكون ملحد غبي ولا غير ديني متزندق. اضف على ذلك انه وفي القديم كان على الماسوني ان يعتنق الدين المتعارف عليه او المناسب في بلده او موطنه. الدين الذي يتوافق عليه الناس. عليه ان يكون من اجود الرجال، صادق، رجل شهامة وعزة واستقامة مهما كانت خلفيته الدينية. الذي يجعل الماسونية نقطة مركزية واداة صلة التي تصلح الانسان وتقدم الصداقة المنزهة وتقرب البشرية بعضها من بعض بدل التفرقة والتباعد المعهودين.
2- فيما يخص السلطات المدنية.
الماسوني مواطن مسالم تجاه السلطات المدنية، اينما سكن أو كان موطنه. لا ينخرط ولا يشارك في المؤامرات التي تمس السلم وامن الدولة. يخضع للسلطات عامة. من اكثر ما يتضرر الماسوني هو هرق الدماء والحروب. الملوك والحكام شجعوا الماسونية لما يكنّه اهلها من نفوس مسالمة وصادقة وامينة.
يرد الماسون بطريقة متناسقة على منتقديهم ويحاولوا يوميا اعلاء الشرف والاخوة التي لم تكن لتزدهر اكثر الا في ايام السلم. اذا ما ابدى احد الاخوة تمرّد على السلطات لا يعاونوه في تمرّده. الا انهم وبالرغم من ان الاخوة لا يساندون أي اخ متمرّد كما انهم لا ينافسون السلطات الحاكمة في حكمها، لكلٍ عمله. طالما لم يثبت اشتراك اخ بجريمة لا تقطع صلة الوصل معه.
3- ما له علاقة بالمحافل.
المحفل هو المكان الذي يجتمع فيه الماسون للعمل، من هنا تسمية محفل لمجمع الماسون. على كل اخ ان ينتمي الى محفل ويخضع لدستوره وقوانينه. بمشاركته بالاعمال يعي الماسوني جيدا أن قوانين المحفل تتناسب وتنسجم مع السلطة العليا الممثلة بالشرق الاكبر. في القديم لم يكن يسمح لاخ او عامل بالتغيب عن الجلسات وخاصة اذا حصل هذا من غير عذر شرعي والا وضع انخراطه على المساءلة.
المدعوون للاشتراك في اعمال المحفل عليهم ان يتحلوا بالاخلاق الحسنة ويكونوا اناس شرف واحترام واستقامة مولودون احراراً وراشدين. يجب الا يكونوا عبيداً ولا نساء (في القديم) ولا رجالا يعيشون دون اخلاق او على مسار سيء.
4- ما يتعلق بالاساتذة والمدبّرين.
كل ترقى في الدرجات الماسونية لا يكون الا على اساس الاستحقاق الشخصي، لكي لا تتحلل اواصر عشيرتنا ويدخلها التراخي ونخدم هكذا العمل المشرّف. ليس بالامكان توصيف كتابيا هذه الالتزامات. ولكن على كل اخ ان يكون حزقاً في عمله وفي مكانه لكي يتعلم الاصول الصالحة والحقيقية للاخوة. على الاستاذ الا يتبنى اخ إن لم يكن من الجدارة اللازمة لاكمال مهمته ، لكي يتمكن من مساعدته على تخطي الحواجز والوصول الى الكمال بالتدرج من القبول الى الدرجات المستحقة ومن استذة الى الاستذة الكبرى.
لا يحق لاخ ان يكون ناظرا ان لم يكن في درجة المعاون وحسن النسب أو سيداً او عالما في علمه او فناناً أو حرفيا ومعترف بمناقبيته وحسن سيرته واخلاقه من بقية المحافل.
لكي يتمكن الاستاذ الاعظم من اكمال مهمته يعهد اليه باختيار نائبه الذي يجب ان يكون قد خدم في محفل كاستاذ. الامتثال للقرارات المتخذة من السلطات الماسونية تؤمن سلاسة العمل واستمراريته. التي يجب ان تبقى ضمن اطار الدستور والقوانين الماسونية. القرارات تتصف دائما بالتواضع والاحترام والمحبة.
5- ارشادات للعمل المحفلي.
على الماسون ان يعملوا ايام العمل المعروفة باختصاصاتهم، لكي يؤمنوا حياة رغيدة وسعيدة باحترام قوانين البلد الذي يقيمون فيه. يختار الاستاذ من المرافقين الجديرين. على المرافقين ان يمتنعوا عن الاحاديث والخطابات السيئة، وان لا يوجهوا لبعضهم تعليمات أو اوامر، عليهم ان يتخالطوا باحترام وتهذيب في داخل وخارج المحفل.
لايقوم الاستاذ الا بعمل يعرف بانه قادر على انجازه وبذلك يحظى بالتزكية. ويقوم على امور الآخرين وكانها اموره الشخصية أومؤتمن عليها.
الحسد آفة تضر بالعمل الجيد والمزكّى.
على الناظر ان يعمل في حدود العمل المرسوم له من قبل الاستاذ، كما على الباقين احترامه في مكانة الاستاذ دون تململ وتذمّر. ولا يتركوا مهمتهم طالما لم ينتهي العمل.
يعلّم ويدرّب الاخ الجديد لكي يتوصل الى التمكن من حرفته دون التقليل او اهمال العلاقات الاخوية والحبية بين افراد المجموعة.
6- اداب التصرف.
- في المحفل اثناء العمل.
لا يقوم الاخ بصداقاة منحازة تخل بالانتظام العام، كما لا يتكلم دون اذن الاستاذ. لا يتكلم بامور غير لائقة او مشينة. لا يقاطع اخوته عند التكلم. يمتنع عن التهريج. ويصغي باحترام لاخوته. كما يمتنع وبحسب المعهود عن كل جدال او حديث سياسي او ديني. كل خلاف ينشئ، يعالج من قبل الاخوة الاساتذة بالمحبة والتواضع والاحترام. اذا تعذر التوافق يرفع الامر الى الاستاذية العظمى.
- عند الانتهاء من العمل المحفلي.
يبتهج الماسوني بعد اعماله فيعبر عن هذا بملاقاة اخوته وبالتواصل معهم حول مشرب او مأكل. كل هذا دون الزام أي اخ على الاكل والشرب مع احترام حقه بالانصراف. لا يعاتب من لا يريد البقاء كما لا يوجه اليه ما قد يحرجه. لا يتلفظ باي شيء يمكن ان يحد من تعبير احد الاخوة. والا نكون قد فقدنا غاية ملاقاتنا المبنية على الانسجام والتناغم ضمن الاحترام الشخصي لكل فرد. كل انتقاد سلبي او مشاكسة ممنوعين كما يمنع أي كلام يتعلق بالدين او السياسة. فالماسوني يحترم جميع الاديان ولا يتدخل في شوؤن البلدان.
- عند اجتماع الاخوة وفي عدم وجود اجنبي بينهم.
عند التقاء الاخوة خارج المحفل، يلقون السلام بعضهم على بعض باحترام ويتعاملوا فيما بينهم كاخوة. ويحثوا بعضهم البعض على ابداء اواصر الاخوة دون ان يلحظ هذا احد ودون التطفل في تصرفات الآخرين. بالرغم من ان الاخوة متساوين فإن هذا لا يمنع بتقدير اصحاب الشأن في الخارج.
د- عند وجود اجانب غير ماسون.
يكون الماسوني واعٍ وحذر بكلماته وتصرفاته، بشكل يمنع الاجنبي مهما كان حذرا من التسلل واكتشاف او ايجاد ما ليس له الحق بمعرفته او اكتشافه.
ه- في المنزل والجوار.
عليكم ان تتصرفوا باخلاق حميدة وبحكمة، وعدم الافصاح عن أي شيء يتعلق بالمحفل او ما يحيط به. عليكم ان تهتموا بصحتكم ولا تبقوا لفترات طويلة بعيدين عن عائلاتكم او منزلكم. ابتعدوا عن الشره والسكر لكي لا تؤذوا احد من افراد عائلتكم او من في جواركم وقد يؤذي هذا عملكم.
و- عند ملاقات اخ اجنبي.
تبينوا حقيقة الشخص بحذر واتبعوا الطرق المعهودة، لكي لا يفرض عليكم منتحل صفة او يندس فيما بينكم جاهل غريب، عندها يجب ابعاده. اما اذا اكتشفتم بانه اخ صادق عليكم معاملته كم تتعاملوا فيما بينكم، واذا كان في حالة عوذ عليكم اعانته او ارشاده لمن يعينه. يجب تزكيته عند الاخوة الآخرين. ليس عليكم ان تقوموا بما هو فوق قدرتكم بما خص المساعدة. تعلَون هكذا المحبة الاخوية واللحمة الصادقة بين افراد هذه الاخوة القديمة.
تجنبوا المشاحنات، النزاعات، الغيبة، النميمة ولا تقبلوا ان يتطاول احد على غائب بينكم او امامكم. بالعكس يجب الدفاع عن الاخوة والاحرار بما لا يضر بمصالحكم او امنكم.
اذا ما تأذيتم من اخ، لكم في المحفل دائما اذان صاغية لاعادة الاعتبار لكل وباحترام. لم يحتكم ابائنا في المحاكم فيما بينهم الا في الحالات الاستثنائية.
في الخلاصة علينا ان نَجِد صبغة الماسونية الكريمة في جميع اقوال، افعال وتصرفات الماسوني.
– حقوق النشر: الدكتور ميشال الخوري © ٢٠٢١