سرّ التوحيد الإلهي بين أخناتون ومزامير اليهود

سرّ التوحيد الإلهي بين أخناتون ومزامير اليهود

“فكرة التوحيد للإله”، هل هي فلسفة قديمة أم فكَر بها القدماء قبل ظهور الأنبياء والرسل والكتب؟ هل ظهرت عبادة الإله الواحد في ظلّ حكم الفراعنة المصريين القدامى منذ أكثر من خمس آلاف عام؟ أم كان الفساد والظلم سائديْن في عبادة الآلهة المتعدّدة، أو كان لهم معتقدهم الخاصّ في عبادة الآلهة وتصوّرها بأشكال يحتاجونها لحمايتهم وإنقاذهم من الإعجاز الكوني في الحياة والموت؟ هل كانوا يؤمنون بالسرّ في وحدانية الله ويخفونه علنًا عن عامة الشعب؟

إنه مهما تعدّدت الأفكار والنظريات عن عبادة الآلهة، فإن قلوب البشر ميّالة لعبادة الإله الواحد، تخاف منه وتهرب إليه في الصلاة خاشعة، داعية له ليشفيها من المرض، وطالبة للماء والكلأ للاستمرار في بقائها على قيد الحياة.

وفي ظلّ العظمة العمرانية التي شيّدها الفراعنة لمعابدهم ومدافنهم، والقوّة الكلّية التي كانت تحميهم وتثبّت معتقداتهم ليظهرونها بصلابة أحجار الأهرام، وبراعتهم في هندستها، وما حوته من أسرار علمية وهندسية ما زالت تشغل عقول باحثينا في الآثار وعلمائنا حتى يومنا هذا، كما شغلت عقول الإغريق بفلاسفتهم وعلمائهم من قبل، وتبعتهم حضارات لاحقة في البحث والتدقيق بعظمة هذه الحضارة.

في سياق كلّ هذا ظهر من ملوكهم “أخناتون” (1379-1362 ق.م) وهو مَن خالف نُظم وقوانين العبادة الإلهية للفراعنة، ونزع قناع الخوف والرهبة عن شعبه، وأظهر أشعّة الحقيقة بتعبّده للإله الواحد خالق السموات والأرض، ودعا شعبه إلى عبادة الإله الواحد المسمّى “آتون”، وإلى تركهم لعبادة إلههم “آمون” والآلهة التابعة له، بانصرافه للتأمّل في الكون والخلق والطبيعة، وتركه لكلّ ما يتعلّق بالعظمة الحسّية والعالم الحسّي المادي، وما إلى ذلك من بذخ وملذات عبر دعوته إلى التوحيد الإلهي.

هل كان هذا نفحة نورانية كونية للفرعون “أخناتون” ليدعو شعوبه للإيمان بالله تعالى قبل نزول الأديان الكتابية وتجلّيها بالأنبياء والرسل بكتب هادية؟ وهل أسقط “أخناتون” بفكرة التوحيد كلّ ما أبدعه أسلافه من الأسر الملكية السابقة ليتحكّموا بالشعوب ويستعبدوها؟ ولماذا حورب هذا الملك من قِبل الشعوب المجاورة بتأليب كهنة “آمون” لهم لقتل “أخناتون” وطمس كلّ مذهبه وتعاليمه الدينية؟ وما هي ماهية تلك الأناشيد التي تجعلنا نؤمن بمصداقية توحيده للإله وعبادته له؟ وهل آمنت تلك الشعوب التي آمنت في سرّها بـ “أخناتون” وحاربته خوفًا من كهنة “آمون” وجبروتهم وترهيبهم لها؟ وما السرّ في تلك الأناشيد؟ لنلق نظرة على بعض أناشيد “أخناتون”:

نشيد أخناتون في الدعوة لتوحيد الإله

الفصل الخامس من النشيد:

ما أكثر أعمالك، إنها على الناس خافية

أنت الإله الواحد، الذي ليس معه سواه

وليس له نظير، برأت الدنيا حسب رغبتك

وكنت فردًا، خلقت البشر والأنعام

وكلّ ما يسعى على الأرض بقدم

ويُحلّق في الفضاء بجناح

خلقت بلاد أفور وكوش وأرض مصر

ووجّهت كلّ فرد فيها إلى موطنه

ودبّرت للجميع شؤونهم، فأصبح لكلّ فرد رزقه

وتعيّن لكل فرد أجله، وظلّت الألسنة بينهم

في النطق متباينة، والهيئات والألوان متمايزة.

لقد عبَر العالِم الأمريكي “جيمس هنري بريستد” (1865-1935م) في كتابه “تاريخ مصر” عن إعلان “أخناتون” لديانة التوحيد “لله تعالى”، وعن محاولة اليهود الإدعاء بأنهم السبّاقون للدعوة لتوحيد الإله، وهذا ما دفعهم إلى ترجمة أناشيد “أخناتون” من الهيروغليفية إلى العبرية، وترجمت  هذه الأناشيد إلى اللغة الأرامية من قِبل الفينيقيين أيضًا.

اليهود ونسبتهم للألوهية

انكبّ علماء الغرب والشرق- في عالمنا المعاصر- على ترجمة نصوص الأدب المصري القديم في عهد الأسر الفرعونية، التي أخذ منها العبرانيون ونسبوها إلى مقدّساتهم وإلى نبيّهم سليمان الحكيم- عليه السلام- في الكثير من الأقوال المأثورة، وكذلك الوصايا والحِكم لأهمّ مفكّري تلك الديانات في ما مضى. وكان الدكتور سليم حسن، د. أحمد فخري، د. عبد المنعم أبو بكر، د. أحمد بدوي، د. عبد العزيز صالح، مِن أهمّ علماء الإيجبتيولوجي الذين قاموا بترجمة تلك النصوص الأدبية الفرعونية إلى العربية في قرننا هذا، إلى جانب أهمّ المترجمين الغربيين للعالَم المصري القديم، وبالطبع هم الأسبقون في الترجمة، وأشهرهم: “نورمان دي جارس ديغز”، “جيمس هنري بريستد”، “أدولف أرحان”، “جاردنر”، الذين أفادوا البشرية في أبحاثهم، وكشفوا زيف وادعاءات اليهود في نسبة كلّ نصّ أدبي وفلسفي إلى دينهم وفكرهم، كما كشفوا ظلم فترة تاريخية معيّنة في دعوتها للتوحيد وعبادة الإله الواحد بتوجيه أنظار العالَم القديم إلى ديانة اليهود فقط، دون الالتفات إلى رؤية جديدة وظاهرة حيوية في عالم يؤمن بتعدّد الآلهة وتحوّرها وتجسّدها على أشكال رؤوس الحيوانات والطيور، وإهمال هذا الجانب من الرؤية التوحيدية التي أنارت فكر شعوب تلك المنطقة بظهور الملك الفرعوني “أخناتون” وهو من الأسرة الثامنة عشرة (1731- 1355 ق.م) الذي دعا إلى عبادة الإله الواحد في تلك الفترة، حيث عمد كهنة “آمون” إلى طمس عقيدة “أخناتون” وتسليط الشعوب الأخرى على محاربته خوفًا على عقيدتهم واندثارها وانهيار سلطتهم ومصالحهم في السيطرة على البلاد.

إن مَن يقرأ مزمور رقم 104 يجده متشابهًا جدًا أو مقتبسًا أو معدّلاً بعض الشيء من أناشيد “أخناتون”، والمفارقة أنه يسير في الترتيب نفسه للنشيد. وقد عرفت هذه المزامير بـ “مزامير داوود” ويعتقد بأنها كتبت بعد السبي اليهودي إلى بابل في الربع الأول للقرن الأول قبل الميلاد، كما يرى العالم “جيمس بريستد” أن أنشودة “أخناتون” ودعوته للتوحيد وعبادة الإله الواحد جاءت في القرن 14 ق.م، بينما كتابة المزامير جاءت بعده بحوالي 700 سنة، كذلك البابليون الذين نسبوا هذه الأناشيد إليهم بعد انتشارها في معبد الشمس في فلسطين. ويعود لليهود المسبيّين السبب في نسبتها إليهم، حيث إنهم حفظوها ولكن لم يتجرّأوا على نشرها قبل ذلك الزمن بسبب خوفهم من أعداء “أخناتون” وهم كهنة “آمون” ومحاربتهم لعقيدته التي تتحدّى عقيدتهم ومصالحهم الدينية بعبادة الآلهة المتعدّدة. وقد كان لـ “أخناتون” مراكز عدّة للعبادة لنشر دعوته التوحيدية في “تل العمارنة” و”جم آتون”، في “كاوا” وراء “الجندل الثالث” في مقابل بلدة “دلجو” الحالية، والمركز الثالث في غرب آسيا يعتقد بأنه في “أورشليم” الذي كانت تدعى”بيت الشمس”.

تأثّر اليهود بالفكر التوحيدي الأخناتوني

 لاحظ العلماء والباحثون الغربيّون مدى تأثّر اليهود بالفكر التوحيدي الأخناتوني الذي يمجّد خالق الكون، ويصف عظمة خلقه للبشر والطبيعة وكلّ ما يدور في فلك الكون من كواكب ونجوم، ويعتقدوا بأن هذا هو ما دفعهم إلى الاعتقاد بأن اليهود تأثّروا بـ”أخناتون”، وبما أنه لم يدّع النبوة فلم يسعهم عبادته، لذا عمدوا إلى إدراج وصايا “أخناتون” الشعرية في المزامير (104) وكأنها من أصل دياناتهم. كماعلَق “جون ويلسون”على أن ديانة “أخناتون” فطرية، تدعو لعبادة الإله الواحد وأن الإنسان خلق ليعبد ربّه فقط، وبأن هذه الديانة بسيطة للغاية، ليس فيها أي فلسفة سوى التأمّل بعظمة الخلق الإلهي وعبادته والعمل على إرضائه بالعمل الصالح،  هذا ما دخل في  معاني الآية الكريمة (33) من سورة فصّلت: “ومن أحسنُ قولاً ممّن دعا إلى الله وعمل صالحاً” وكما ورد في الآية 89 من سورة الشعراء “إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ”. وأضاف “ويلسون” بأن الاقتباس اليهودي عن آلهة مصر وفراعنتها ليس الأول، بل هناك التعبّد الشبيه بعبادة أوائل المصريين، حيث عبد بنو إسرائيل العجل، وكان هذا العجل يُعبد سابقًا من قِبل الأسرة الأولى المصرية أي ما قبل النبي “موسى” أي حوالي 3200 ق.م.

وقد ذكر القرآن الكريم قصة “العجل الذهبي” في سورة البقرة آية “93”- وفي سورة الأعراف آية “152-184”- وفي سورة طه آية “83 -89”.

واستمرّ شعب إسرائيل يؤمن بهذه العقيدة حتى بعد ظهور الدين المسيحي بوقت طويل، لكن المتعصّبين من اليهود يرون أن “أخناتون” استنبط شعره وأناشيده من التوراة، متغافلين بذلك عن أن “أخناتون” جاء قبل ظهور التوراة بحوالي 4 قرون، وبأن التوراة كتبت في القرن العاشر ق.م (فترة حكم النبي داوود)، كما يُعتقد بأن المزامير مجموعها (150) مزمورًا، نُسب إلى النبي داوود منها (73) مزمورًا فقط، وخمسون منها مجهولة المصدر والمؤلف، والبعض الآخر إلى مؤلفين مختلفين.

وكتب العالِم النفسي “سيغموند فرويد” في نظريته الشهيرة: أن النبي موسى هو الذي نقل أفكار “أخناتون” إلى شعب إسرائيل عندما خرج بهم من مصر، وبمقارنة نشيد “أخناتون” مع المزمور 104 نجد تشابهًا ملموسًا حيث يقول في التوحيد الإلهي “ما أعظم أعمالك يا رب كلّها، بحكمة يا ربّ صنعت، ملآنة الأرض في غناك”. لا ينحصر النقل على المزمور104 إذ أن القسم الأكبر من البردى التي كتبت في ايام أخناتون تُلِفَت ولم يكتشف منها إلا القليل القليل.

تعاليم أمنؤوبي المصري

وممّا يُلفت النظر ويُظهر مدى تأثّر الدين اليهودي بالأدب المصري القديم، وخاصّة في “العهد القديم”: ما نُقل من تعاليم “أمنؤوبي” إلى “سفر الأمثال”، وقد نشر هذه التعاليم العالِم البريطاني السير “أرنست ألفرد واليس برج” (1857- 1943م) وهي محفوظة في المتحف البريطاني، كذلك أشار إليها العالِم الألماني”أدولف أرمان” (1854-1937م) واعتبرها الأساس الذي اعتمد في تعاليم النبي سليمان الحكيم، ونشر ترجمة هذه البردية أعادت للأذهان ما نقله اليهود من أناشيد “أخناتون” ومحاربتهم لديانته وطمسهم لهذا التاريخ المضيئ في ديانة المصريين، وتشويه تاريخ حياته، ومحو مجموعة كبيرة من تعاليمه على الجدران أو في البرديات أو في ما خلّف من آثار تثبت نبوته.

أما عن تعاليم أمنؤوبي المصري وما يقابلها في “سفر الأمثال” فهذا بعض منها:

الفصل الأول: (آمل أذنيك تسمع أقوالي، وأعكف قلبك على فهمها، لأنه شيء مفيد إذا وضعتها في قلبك، ولكن الويل لمن يتعدّاها).. وفي المقابل جاء في “سفر الأمثال”: (1- آمل أذنك واسمع كلام الحكماء، ووجّه قلبك إلى معرفتي، لأنه حسنٌ إن حفظتها في جوفك، إن ثبتت جميعًا على شفتيك – سفر الأمثال 22: 17- 18).

الفصل الخامس: (الفقر في يد الله خير من الغنى في الهرى (المخزن)، وأرغفة (تحصل عليها) بقلب فرح خير من ثروة تحصل عليها بقلب حزين).. وفي المقابل جاء في “سفر الأمثال”: (القليل مع محافظة الرب خير من كنز عظيم مع همّ، “أكلة من البقول” حيث تكون المحبة خير من ثور معلوف ومعه بغض).

الفصل العاشر: (تبصر نفسك في هذه الفصول الثلاثينية، حتى تكون مسرّة لك وتعلمًا).. وهذا في “سفر الأمثال” طبق الأصل: (ألم أكتب لك ثلاثين فصلا من جهة مؤامرة ومعروفة- سفر الأمثال 22: 2).

ونتيجة لهذه “المقدّمة المقارنة” بين أدب المصريين القدامى وفلسفتهم وفكرتهم التوحيدية، نرى أن هناك موروثات إسرائيلية تأثّرت بالحياة المصرية الإجتماعية والدينية المواكبة لهم في فلسطين، حيث كان الفراعنة يستقدمون عمّالاً من بني إسرائيل ومن الشعوب المجاورة، للعمل في بناء المعابد (من دون إستعباد، كما تبيّن في الإكتشافات الحديتة ومنها في دير المدينة وفي مقابر الجيزة) وفي صناعة معظم الرموز الدينية وتصويرها على جدران المعابد والقبور والمصاطب والقصور. لذا تأثّرت تلك الشعوب اليهودية بالتعاليم الدينية المصرية وشعائرها.

ونجد في “السامرة” في فلسطين المحتلة آثارًا كثيرة تدلّ على إقتباس صورة إله الشمس “هيليوبوليس” المصري في صناعتهم للأثاث العاجي الذي إشتهروا به في ذلك الزمن، وكان عبارة عن مقاعد منقوش عليها صورة إلهة العدالة “ماعت” يحملها إلى أعلى ملاك الشمس “هليوبوليس”، كما عبد اليهود إله الشمس الإله الواحد المتعدّد الأجنحة المصري إذ لا يرمز فقط كإله للعدالة بل كإله حام لليهود ورؤوف بهم، ونرى ذلك في المزامير بعبارات “تحت ظلِ أجنحتك”.

ونلاحظ أن الباحث “بريستد” قد أسهب في مقارنته ونتائجه التحليلية، بأن ظاهرة التوحيد وعبادة الإله الواحد سبقتا الأديان الكتابية، وسانده في آرائه تلك الكثير من الباحثين الغربيين والشرقيين، خاصّة من علمائنا وأدبائنا العرب، مرتكزين على ما ورد في الكتاب والذي لا يتعارض وإلهام القوى الإلاهية للشعوب القديمة، و ورود بعض الآيات التي لا تنفي إمكانية وجود الهام سابق (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) النساء 164.

كشف أسرار الكتاب المقدّس

تثبت كثير من الدراسات ومنها كتاب موثّق بعنوان “كشف أسرار الكتاب المقدّس” أن شخصيات توراتية عديدة هي بالأصل شخصيات مصرية، وأن الكهنة اليهود حرّفوا هذه الشخصيات لإنشاء ما يسمّى “مملكة إسرائيل”، ممّا يساعد على إثبات أحقيّتهم بأرض الميعاد.

إن عقيدة “أخناتون” تعود للقرن الرابع عشر ق.م، والتي استمرت أسرته في الحكم بعد مماته، فورث ابنه “توت عنخ آمون” العرش، ولكنه غيَر إلهه “آتون” إلى “آمون” من جديد خوفًا من أن يقتله كهنة “آمون”، ولكن الظاهر أن تغيير الاسم لم يشفع له، إذ مات عن عمر لا يتجاوز السابعة عشر ولم تُعرَف أسباب موته، واستمرت أسرته الثامنة عشر في الحكم إلى القرن الثامن عشر ق.م (1731)، وأثبت التاريخ هذا عند اكتشاف البعثة الأثرية الهولندية برئاسة “مارتن رافن” في منطقة سقارة بالجيزة مقبرة لكبار رجال الدولة العاملين في عصر الملك “أخناتون”، ومقبرة لكاهن معبد آتون في “تل العمارنة” و”منف بري بنت”، وأهمّ ما يميّز نقوش هذه المقبرة المكتشفة أنها تشرح مناطق الحياة اليومية التي تمثل الفن الآتوني نسبة للإله “آتون” الذي وحّد فيه “أخناتون” باقي الآلهة الفرعونية.

والآثار أكبر برهان بنفي الأساطير.

نشيد اخناتون الأكبر.

نشيد اخناتون الأكبر

المزمور 104

تظهر في أفق السماء أيها الشمس الحية، الذي يقدر الحياة، تشرق في الأفق الشرقي في الصباح وتملأ كل البلاد بجمالك،

أنت جميل وعظيم ومشرق الآن فوق جميع البلدان، وأشعتك تملك كل البلاد حتى آخر كل ما خلقت.

أنت رع عندما تصل إلى حدودهم وتجعلهم يركعون لإبنك المحبوب أنت بعيد ولكن أشعتك تصل إلى الأرض، وإنك في وجوههم، ولكن مسارك مجهول.

عندما تغرب تحت الأفق الغربي يبقى العالم في ظلام، في حالة كالموت ، النائمون في بيوتهم يكسون أنفسهم بالغطاء، ولا ترى عين عينا أخرى، إذا سرقت أمتعتهم من تحت رؤوسهم، لا يشعرون، ويخرج كل وحش من مكمنه، والثعابين تعض.

الظلام كالقبر وتبقى الأرض ساكنة، إذ أن خالقهم قد غرب خلف أفقه وتشرق في الصباح على الأفق وتضيئ كالشمس أثناء النهار، وتخفي الظلام وتنشر أشعتك.

ويظل القطران (الشمالي والجنوبي) محتفلين بالنهار ، ويستيقذ الناس ويقفون على أقدامهم، فقد نصبتهم على أرجلهم،

أجسامهم نظيفة ويلبسون الملابس، ويرفعون أذرعتهم تقديسا لظهورك، وكل البلاد تمارس عملها.

كل الأنعام راضية بأعشابها وأشجارها ونباتاتها الخضراء ، وتنطلق الطيور من أعشاشها، ترفرف أجنحتها تسبح بروحك ، وتقفز كل الوحوش على أرجلها، وكل ما يطير يرفرف، ويحيون عندما تشرق لهم.

وتسير السفن الحاملة شمالا وجنوبا، وكل طريق ينفتح بظهورك، وتقفز الأسماك في النهر أمام وجهك، وتملأ أشعتك قلب البحار.

أنت الذي ينبت البويضات في النساء، وتجعل من “الماء” أناسا وتبقي على حياة الطفل في بطن أمه وتهدئه فلا يسقط له دموع إنك المربية في بطن الأم.

وتعطي النفس لكي تحيا جميع المخلوقات.

وعندما يولد (الطفل) من بطن أمه، فلكي يتنفس وقت ولادته، فإنك تفتح له فمه كاملا وتعطيه احتياجاته وتكلم الكتكوت في بيضته الذي يتكلم من قشرته، تعطيه الهواء فيها لكي يعيش وتقدر له الوقت، ثم تكسر القشرة ويخرج منها، ويخرج من البيضة ينقنق في وقته ، ويجري على رجليه عندما يخرج منها.

كم كثرت أعمالك والخافي منها،

إنك الإله الواحد، لا مثيل له خلقت الأرض برغبتك منفردا، فيها الناس والأنعام وكل الحيوانات ، وبكل ما على الأرض، وما يسير على أرجله وكل ما يطير بجناحيه في السماء.

البلدان الغريبة في سورية والنوبة وكذلك أرض مصر، كل تعطيه مكانه وتؤمن احتياجاته ،

الكل يحصل على غذائه ،وتقدر قدر عمره.

يتكلمون بألسنة مختلفة، وتختلف ملامحهم، وتختلف ألوانهم،

فإنك تخلق الشعوب خلقت النيل في عالم الخفاء، وتصعده بحسب رغبتك وتحفظ حياة الناس لأنك أنت خالقهم. وإنك لهم، ترعاهم أنت أيها الملك على كل البلدان تشرق لهم، فأنت شمس اليوم، عظيم في رفعتك ،

وتُبقي كل البلدان الغريبة على قيد الحياة.

وخلقت نيلا في السماء لكي يهبط عليهم، يشكل أمواجا على الجبال، مثل البحر لكي يروون حقولهم، ويحصلون على مايحتاجون.

كم أن تقديرك فعال، أنت ياسيد الأبدية.

نيل السماء تمنحه للشعوب الغريبة، ولكل حيوانات الصحراء، التي تجري على أقدام ،

ولكن النيل الحقيقي يأتي من عالم الخفاء إلى مصر.

تُرضع أشعتك جميع الحقول، وعندما تشرق

يحيون ويترعرعون من أجلك وخلقت فصول السنة لكي تتطور جميع مخلوقاتك في الشتاء يبردون، وفي الصيف يحترون، لكي يشعروا بك وجعلت السماء بعيدة المنال، لتعلو فيها وتري كل شيء قمت أنت بخلقه إنك فريد عندما تشرق، وفي جميع أشكالك كآتون الحي،

الذي يظهر ويضيئ، وتبتعد ثم تقترب وتخلق ملايين الأشكال منك أنت، مدن وقرى وحقول وطرق ونهر كل الأعين تنظر إليك عندما تظهر كشمس النهار فوق البلاد عندما تغرب لا تصبح عينك هنا، تلك خلقتها أنت من أجل خاطرها ، لكي لا ترى نفسك كالأوحد الذي خلقته، تبقى في قلبي، ولا أحد آخر يعرفك إلا إبنك “نفر خبر رع – أوان رع الذي جعلته يعرف جوهرك وقدرتك تخلق العالم بإشارة منك مثلما خلقته ، وعندما تشرق يعيشون، وعندما تختفي يموتون إنك أنت عمر الحياة، وتعيش الناس منك وتستمتع الأعين بجمالك حتى تغرب ، وتـُترك الأشغال عندما تغرب في الغرب يا مشرق أنت، قوّي كل الأذرعة للملك.

واعط سرعة لكل قدم منذ أن أسست الدنيا، فقد أنشأتها من أجل ابنك ، الذي نشأ من بدنك، ملك القطرين المصريين ” نفر خبرو رع – أوان رع – ابن رع الذي يعيش من ماعت، سيد التيجان، إخناتون، كبير في حياته والملكة الزوجة العظيمة، التي يحبها، ملك القطرين نفرتيتي.

تبقى حية وشابة دائما وإلى الأبد.

بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ. يَا رَبُّ إِلهِي، قَدْ عَظُمْتَ جِدًّا. مَجْدًا وَجَلاَلًا لَبِسْتَ.

اللاَّبِسُ النُّورَ كَثَوْبٍ، الْبَاسِطُ السَّمَاوَاتِ كَشُقَّةٍ.

الْمُسَقِّفُ عَلاَلِيَهُ بِالْمِيَاهِ. الْجَاعِلُ السَّحَابَ مَرْكَبَتَهُ، الْمَاشِي عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ.

الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا، وَخُدَّامَهُ نَارًا مُلْتَهِبَةً.

الْمُؤَسِّسُ الأَرْضَ عَلَى قَوَاعِدِهَا فَلاَ تَتَزَعْزَعُ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ.

كَسَوْتَهَا الْغَمْرَ كَثَوْبٍ. فَوْقَ الْجِبَالِ تَقِفُ الْمِيَاهُ.

مِنِ انْتِهَارِكَ تَهْرُبُ، مِنْ صَوْتِ رَعْدِكَ تَفِرُّ.

تَصْعَدُ إِلَى الْجِبَالِ. تَنْزِلُ إِلَى الْبِقَاعِ، إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَسَّسْتَهُ لَهَا.

وَضَعْتَ لَهَا تَخْمًا لاَ تَتَعَدَّاهُ. لاَ تَرْجعُ لِتُغَطِّيَ الأَرْضَ.

اَلْمُفَجِّرُ عُيُونًا فِي الأَوْدِيَةِ. بَيْنَ الْجِبَالِ تَجْرِي.

تَسْقِي كُلَّ حَيَوَانِ الْبَرِّ. تَكْسِرُ الْفِرَاءُ ظَمْأَهَا.

فَوْقَهَا طُيُورُ السَّمَاءِ تَسْكُنُ. مِنْ بَيْنِ الأَغْصَانِ تُسَمِّعُ صَوْتًا.

السَّاقِي الْجِبَالَ مِنْ عَلاَلِيهِ. مِنْ ثَمَرِ أَعْمَالِكَ تَشْبَعُ الأَرْضُ.

الْمُنْبِتُ عُشْبًا لِلْبَهَائِمِ، وَخُضْرَةً لِخِدْمَةِ الإِنْسَانِ، لإِخْرَاجِ خُبْزٍ مِنَ الأَرْضِ،

وَخَمْرٍ تُفَرِّحُ قَلْبَ الإِنْسَانِ، لإِلْمَاعِ وَجْهِهِ أَكْثَرَ مِنَ الزَّيْتِ، وَخُبْزٍ يُسْنِدُ قَلْبَ الإِنْسَانِ.

تَشْبَعُ أَشْجَارُ الرَّبِّ، أَرْزُ لُبْنَانَ الَّذِي نَصَبَهُ.

حَيْثُ تُعَشِّشُ هُنَاكَ الْعَصَافِيرُ. أَمَّا اللَّقْلَقُ فَالسَّرْوُ بَيْتُهُ.

الْجِبَالُ الْعَالِيَةُ لِلْوُعُولِ، الصُّخُورُ مَلْجَأٌ لِلْوِبَارِ.

صَنَعَ الْقَمَرَ لِلْمَوَاقِيتِ. الشَّمْسُ تَعْرِفُ مَغْرِبَهَا.

تَجْعَلُ ظُلْمَةً فَيَصِيرُ لَيْلٌ. فِيهِ يَدِبُّ كُلُّ حَيَوَان الْوَعْرِ.

الأَشْبَالُ تُزَمْجِرُ لِتَخْطَفَ، وَلِتَلْتَمِسَ مِنَ اللهِ طَعَامَهَا.

تُشْرِقُ الشَّمْسُ فَتَجْتَمِعُ، وَفِي مَآوِيهَا تَرْبِضُ.

الإِنْسَانُ يَخْرُجُ إِلَى عَمَلِهِ، وَإِلَى شُغْلِهِ إِلَى الْمَسَاءِ.

مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ. مَلآنةٌ الأَرْضُ مِنْ غِنَاكَ.

هذَا الْبَحْرُ الْكَبِيرُ الْوَاسِعُ الأَطْرَافِ. هُنَاكَ دَبَّابَاتٌ بِلاَ عَدَدٍ. صِغَارُ حَيَوَانٍ مَعَ كِبَارٍ.

هُنَاكَ تَجْرِي السُّفُنُ. لِوِيَاثَانُ هذَا خَلَقْتَهُ لِيَلْعَبَ فِيهِ.

كُلُّهَا إِيَّاكَ تَتَرَجَّى لِتَرْزُقَهَا قُوتَهَا فِي حِينِهِ.

تُعْطِيهَا فَتَلْتَقِطُ. تَفْتَحُ يَدَكَ فَتَشْبَعُ خَيْرًا.

تَحْجُبُ وَجْهَكَ فَتَرْتَاعُ. تَنْزِعُ أَرْوَاحَهَا فَتَمُوتُ، وَإِلَى تُرَابِهَا تَعُودُ.

تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ، وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْضِ.

يَكُونُ مَجْدُ الرَّبِّ إِلَى الدَّهْرِ. يَفْرَحُ الرَّبُّ بِأَعْمَالِهِ.

النَّاظِرُ إِلَى الأَرْضِ فَتَرْتَعِدُ. يَمَسُّ الْجِبَالَ فَتُدَخِّنُ.

أُغَنِّي لِلرَّبِّ فِي حَيَاتِي. أُرَنِّمُ لإِلهِي مَا دُمْتُ مَوْجُودًا.

فَيَلَذُّ لَهُ نَشِيدِي، وَأَنَا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ.

لِتُبَدِ الْخُطَاةُ مِنَ الأَرْضِ وَالأَشْرَارُ لاَ يَكُونُوا بَعْدُ. بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ. هَلِّلُويَا.

 

هذه الدراسة لا تنحصر بالمزمور 104 وبعض الأمثلة عن الأمثال، بل هي تحفيز للباحث للولوج في بعض المواضيع ونقاشها والبحث فيها. من اراد الإستفاضة يستطيع العودة الى بعض الباحثين الذين ذكروا في النص أو الى مراكز الدراسات الفرعونية المصرية، فسيجد ضالته من الدراسات والأبحاث الأثرية.

كما سبق و ورد في هذا الموقع عن الهرمنوطقية، جميع النصوص التي تقع بين يدي الباحث يحب دراستها بتجرّد ومن دون أفكار ومعتقدات سابقة. والتعامل معها على أساس انها نصوص وعليها هي إثبات فرادتها خارج أي منطلق عقائدي.

مهندس الكون لا يكون أعظم إذا اغفل شعب أو شيعة من شيع الإنسانية.

كالشمس تشرق على الأشرار والأخيار.

“أتون”، “را”، “كرشنا”، “أخناتون”، لربما عملوا بإيحاء من مهندس الكون الأعظم.

 – حقوق النشر: الدكتور ميشال الخوري  © ٢٠٢١

error: Content is protected !!