فرسان الطاولة المستديرة

فرسان الطاولة المستديرة

فرسان الطاولة المستديرة (Chevaliers de la Table ronde) جماعة فرسانية أسطورية قيل أنها كانت في خدمة الملك ارتور (Arthur) الذي أوكل اليهم التفتيش عن  الغرال أو الكأس الذي إعتبره البعض وبعد دخول المسيحية الى اوروبا انها الكأس الذي شرب فيه السيد المسيح في عشائه الاخير والذي جُمِع فيه دمه، أو وفي الغالب، التفتيش عن ما يجسد الكمال والحقيقة المبيِّنة لإنتظام الكون والبشرية. الذي يسعى لأجله مجموعة من الفرسان لا تراتبية فيما بينهم لجلوسهم على طاولة مستديرة، همهم الوحيد هو غاية جمعهم وهو التفتيش عن الغرال أو الحقيقة السامية. هذه الإسطورة تعود الى ما قبل المسيحية في أوروبا.

أول ما كتب عن هذه الجمعية وجد في كتاب “بروت” الذي كتبه الشاعر النورماندي “وايس” (Wace) في سنة 1155. في أواخر القرن الثاني عشر إنتشرت هذه الرواية وبخاصة في كتابات “كريتيان ذو تروا” (Chrétien de troyes). في أوائل اشكالها، كانت الرواية لفرسان يتحلّون بالشهامة ولا يتفاضلون فيما بينهم بالمراكز الإجتماعية، والعلمية والإقتصادية الخ. يتفانون في خدمة وفي سبيل وفي غاية عصبتهم.

تأسس متزامنا مع هذه الرواية جمعية الفرسان المعروفة بفرسان الهيكل (Les Templiers). لا يوجد حيثيات تاريخية تفصل ما بين إزدواجية جمعية الفرسان أم أننا أمام جمعيتين مختلفتين أم أمام جمعية وهمية واخرى حقيقية.  الجزم بالتاريخ يلزم البينة ولا بينة تاريخية على هذا.

المتصور حول هؤلاء الفرسان والموحى به من حياتهم وشجاعتهم وتفانيهم في الخدمة والتفتيش عن العدل والحقيقة وكيف اثّر هذا في كثير من الفرسان والناشئة هو أهم ما يهمنا من هذه الرواية مهما كان صدق أو عدم صدق دقائقها.

من أهم قواعد ومبادئ هذه الجمعية الفروسية نجد:

  • الشجاعة.
  • حب العدل.
  • الإستقامة.
  • التفاني في العمل حتى بذل النفس.
  • البحث عن الحقيقة مهما كلف الثمن.
  • عدم التفاضل بالمرتبات والتساوي أمام العمل.
  • حماية الضعيف.
  • كفالة الأرامل واليتامى.
  • الدفاع عن الوطن والدين.
  • الإخوة الجامعة فوق كل إعتبار.

إعْتُبِر فيما بعد أنّ ما يجمعهم ويوحِّدهم ويعطيهم الشجاعة هو حبهم لله وخدمتهم للمسيح. إعتبر فرسان الهيكل أنّ هؤلاء الفرسان هم من الميسِّرين لتأسيس جمعيتهم وهم الوارثون الحقيقيون لإرث هذه الجمعية  ولهذه الصفات والشهامة.

يكتب بعض الباحثين أن روحية هذه الجمعية تشكل جذر من جذور الماسونية التي نعرفها اليوم.

الغرال

كلمة غرال (Graal) متأتية من اليونانية القديمة (cratella) وتعني وعاء أجوف عريض الأطراف بالعربية العامية “جاط”.

قيل أن الغرال يولِّد طعام يتجدد عند كل شروق شمس، مذكراً إيانا بالمن والسلوى. يوجد في الميثولوجيا الهندية والاغريقية والسلتية القديمة روايات تشابه قصة الغرال بمعجن لا ينقص وبكأس يشرب منه ولا ينضب، وكل هذه إن كانت من مأكل أو مشرب تعطي الحياة والقوة والعافية وتشفي من الأمراض. وهكذا كتب في بعض الروايات بأن الغرال مليئ بالسمك وكُلُّ ما اُكِلَ منه إمتلئ من جديد. لأخرين هو مليئ بالمرق واللحم ما أن ينقص يعيد بملئ نفسه. أحصى ماريو روك (Mario Roques) أكثر من خمسين رواية حول الأشكال التي أخذها الغرال أو المحتويات التي ذكرت. 

في كثير من القصص ضاع الغرال في الطبيعة ويجب التفتيش عليه لإسترداده، كذلك إدّعى ملوك إمتلاكه وقصور إحتوائه. الكل يعرف القصة التى أمر بها هملر قائد هتلر في سنة 1940 عندما قام بتفتيش قصر “مون سيغور”، “château de Montségur” معتقدا أنه سيجد فيه الغرال ويظفر بالمجد، احيط هذا القصر قصر “مون سيغور” بكثير من الأخبار الميثولوجية قبل وبعد هذه الحادثة. لهذا القصر دراسات تاريخية وداخلية جدية تبين كثيراً من اسرار الفكر البشري.  

كما قامت السلطات الكنسية بحملات صليبية الى الشرق كذلك قامت بحملات ضد الكتار (Cathares) وكثرت الأساطير في هذه الفترة محفّزة الشباب والمقاتلين في الإستبسال في سبيل العثور على الغرال الذي قيل في بعض الاحيان أنه في قصور الكتار.

في بداية القرن الثالث عشر دخلت المسيحية على قصة الغرال وأصبح شكل الغرال كأس الذي يشبه الكأس الذي شرب منه المسيح، قيل أن يوسف الأريماتي قد أخذ هذه الكأس وجمع فيها دم المسيح. هذه القصة موجودة في الإنجيل المنسوب الى نيقوديموس.

ما هي غاية الغرال كما ظهرت في الروايات على مر العصور:

  • هو وعاء طاهر ذو قوة مقدّسة لا يمسه إلا شخص طاهر ومستحق.
  • إكتشاف الغرال يوحي بقرب نهاية العالم.
  • لن يعم السلام والوئام المعمورة إلا بعد العثور عليه.
  • التفتيش عن الغرال وبذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك الى حد بذل النفس، يسطّر أن الغاية أهم من كل الوسائل والمعطيات المادية. نظرة تقترب مع النظرة الدينية التي تقدّم بذل النفس في سبيل الظفر القادم.
  • بكثرة المخاطر والصعوبات للحصول على الغرال يتفرّد الفارس المستحق والشجاع من بين إخوانه، هذه مسيرة تكريسية وتحفيزية.
  • بوجوده في وسط الطاولة المستديرة يكرس سلطة المحيطين به ويعطيهم أولوية على أقرانهم.

برزت قصة الغرال كعنصر قوة مكثفة يمكن الحصول عليها وإمتلاكها بامتلاك الوعاء المعروف بالغرال. وعندها يتحلى حامله بالصحة والقوة والحكمة والحياة الابدية. من آمن بعقيدة قبل تعرفه على قصة الغرال ادّعى أن هذا الوعاء هو تجسيد لعقيدته ودينه. ومن أبقى دينه في مكانه إعتبر أنّ الغرال هو مجسد لطموحات كل باحث يعتبر أن الحقيقة أهم هدف من أهداف الحياة التي من أجلها ترخص كل التضحيات.

يشبّه كثير من المؤرخين وفي بعض الأوجه عن حق الماسونية بالغرال، الوصول اليها أو شرف الدخول الى صفوفها يعطي الفرد ما يعطيه الغرال للظافر بحمله.                                                                                                                                                                                                                                                                       

 – حقوق النشر: الدكتور ميشال الخوري  © ٢٠٢١

error: Content is protected !!