في تاريخ البنائين

في تاريخ البنائين.

إختُلِف في تاريخ البنائين العمليين، فقد عرف منه عدة روايات نسرد بعضها. هذه الروايات حاولت أن تعطي لتاريخ البنائين العمليين بُعد ميثولوجي.

  • هل هي غامضة أم زادت في الغموض؟
  • هل هي سرية أم اضفت أجواء سرية؟
  • ما هي القوة الخفية المسيّرة والهادية لهذه الدينامكية عل مدى قرون.

سردت الروايات الميثولوجية بأن روما بنيت على يد رومولوس (Romulus) وريموس (Remus) أولاد إحدى العذارى ريا سيلفيا (Rhéa Silvia) التي كانت تخدم إله الحرب المريخ (Mars) وإبنة الملك نوميتور (Numitor) الذي سَلب منه أخيه اميليوس (Amulius) المُلك. خشية أن يكبر الأولاد و ينازعوا عمّهم المُلك. عمد إبن عمهم على الطلب من مأموريه بأن يضعوا الاولاد في قفص ويرموهم في النهر (هذه القصة تردّدت مع كثيرين على مر التاريخ) إلا أن هؤلاء خالفوا أوامره وتركوهم على ضفة النهر. وللقصة هنا تكملتان. الأولى أن ذئبة حضنتهم وأرضعتهم. والقصة الثانية أن أحد الرعاة فاستولس (Faustulus) وجدهم وكفّل إمرأته بهم كانت إمراته لارنثيا (Larentia) إمرأة هوى ويطلقون عليها اسم لوبا (Lupa)، الإسم الذي يطلق على أمثالها، ما معناه الذئبة. في النهاية يعرف التوأم حقيقة قصتهم ويقتلوا عمهم وينصبوا جدهم على العرش وتبدأ قصة روما.

بعد أن إختفى رومولوس عرض على نوما بومبيلوس (Numa Pompilius) وكان في الاربعين من عمره (وللأربعين قصص مع كثيرين) بأن يتولى الحكم وبعد تردد قبل هذه المهمة.

يعزى الى نوما بومبيلوس بأنه أول من جمع البنائين تحت لواء واحد وكان يعيش حياة تقشف بعيدة كل البعد عن الترف والبزخ.

هذه القصة ميثولوجية إلا أن روما حقيقة وأصرحتها وأبنيتها وعمرانها لا تزال قائمة في كثير من البلدان الى يومنا هذا ولو في بعض الوقت تحت مسمى أثار، بما فيها هياكل بعلبك في لبنان.

ما يلحظ هو وجود إمرأة هوى في هذا التاريخ وأن المختارين وضع في قفص ليرميا في النهر وان الملك “نوما” عرض عليه الملك وقبل في سن الأربعين. هذه العلامات موجودة في كثير من تاريخ وحياة كبار الشخصيات الميثولوجية ونقلت بالمجانسة الى من عرفوا بالحقيقية.

فيتروف (Vitruve)

فيتروف هذا مهندس روماني جمع علوم الهندسة في موسوعة (De Architectura) عاش في القرن الأول قبل الميلاد. إستوحى من كتاباته ميكايل أنج (Michel-Ange) وليونارد دو فنسي (Leonard De Vinci).

إشترط  في علمه وعمله أن يكون للبناء الهندسي صفات ثلاثة، القوة، الجمال والحكمة. التي تذكرنا بأنوار المعابد القديمة المعتمدة على القوة، الجمال والحكمة.

بالإضافة الى الأبحاث الأثرية كانت كتبه مرجعاً لمعرفة الأدوات وطرق العمل القديمة من رومانية وما قبل رومانية.

فيما يلي بعض المخطوطات التى حاولت أن تؤرخ لأصول البنائين الأحرار والتى إعتمدت في بعض الحقبات.

ورد في مخطوط الريجيوس(Regius 1390) أن تاريخ البنائين يعود الى مصر القديمة.

اما مخطوط كوك (Cooke 1410) فيعيد تاريخ البنائين الى أولاد نوح الذين دوّنوا علمهم على عامودين واحد من رخام والآخر من فخار. أحدهم لمقاومة النار والثاني الماء. وجدهما بعد الطوفان بيتاغورس (Pythagore) وهرمس (Hermès Trismégiste).

قيل أن الملك شارل الثاني (1630-1685)  هو من علّم الفرنسيين أصول الواجبات كما أن سان البان (Saint-Alban) من القى على الإنجليز أصول وفروض البنائين. وكان هذا المعتمد في المحافل في القرنين السادس والسابع عشر.

ما بين سنة 1720 و1730 ظهر في الكتب الماسونية قصة بناء الهيكل على يد سليمان الملك وإعتمدت هذه الرواية بشكل كبير وواسع فيما بعد. قد يكون هذا بعد عودة الماسونية الى الشرق ودخول العنصر الكنعاني على تاريخ الماسونية، ومنه قصة حيرام وأمير لبنان.

عمد المؤرخ شارل برناردين (Charles Bernardin (1909))   الى إحصاء الروايات التى يدرجها البنائون في كتبهم والتي ينسبوا اليها تاريخهم. فبعد مقارنة 206 كتب في هذا المجال أحصى:

28 يسدون تاريخ عشيرتهم الى بنائي الكاتدرائيات.

18 الى مصر القديمة.

12 الى فرسان الهيكل.

10 الى المسيحيين الاوائل.

11 الى ملوك انكلترا.

20 أن عشيرتهم موجودة منذ خلق البشرية.

15 الى محفل وجد في شرق جنة عدن.

عدد لم يذكره، الى مهندس هيكل سليمان.

الخ…

في القديم…

بمقارنة مبادئ البنائين الأحرار كما عرفناهم مع من سبقهم نلحظ وجود تقارب كبير ما بين هؤلاء وبعض الشعوب أو التجمعات السابقة مما يعزز القول بأن هذه الديناميكية هي في صلب التكوين الإنساني ونستطيع رد جذورها وبخاصة مع الأبحاث الاثرية الحديثة الى قرون غابرة.

في ترجمة المحفور السومري الذي يعود لسنة 3300 ق م، وهو من المكتشفات الأثرية التي ترجمها كرامر(Kramer) و بوتّيرو (Bottero) والمعنون “العقيدة السرية للمكرسين القدامى”  والمنتهية ب: ” هذه هي العقيدة السرية لا يجب التكلم بها الا مع المكرسين“، والمؤلف من خمسين حكمة كتبت بالسومرية والأكادية. نقرأ بوضوح أن عقيدة وفكر البنائين الأحرار وتشكيلهم السري كان موجودا في هذه المجتمعات. لهذه المحفورة دراسة في الاعمال الهندسية.

قريبا منا وفي لبنان نقرأ في تاريخ الكنعانيين وفي ديناميكية مجتمعهم، إشارات قوية تظهر جذوراً لهذا الفكر الحر الخلاق. إن كان من جهة التنظيم، إتقان فن العمارة، معرفة التعامل مع صهر المعادن، تفضيل الحضارة على البداوة الخ. بالإضافة الى فكر ومعتقد يؤله الأحد ويفتش عن الحقيقة ويُعلي التكافل والتعاضد بين مكونات المجتمع ومنفتح على أهل السبيل ومضياف للأرملة واليتيم. نجد في هذا المجتمع الذي كان من أشهر قادته حيرام ابي والمتجسد في أكثر الروايات الماسونية، إن كان من جهة تمثيل الحكمة أو المُثل والتمثّل في العمل والتجمّع والتعاضد والقيادة، هذه من أقرب الصور الى تشكيل البنائين الأحرار الحالي. بعض الدراسات تنسب الى “حيرام أبي” صهر حيرام ملك صور تأسيس جمعية البنائين الأحرار.

تبيّن كثير من الدراسات  كيفية إنتقال الماسونية من طور البناء العملي الى العمل النظري او العكس ولهذه مباحث خاصة.

 – حقوق النشر: الدكتور ميشال الخوري  © ٢٠٢١

error: Content is protected !!