مقدمة في التركيبة الماسونية

مقدمة في التركيبة الماسونية.

     كما سبق وعرّفْنا الماسونية جمعية تكريسية، رمزية، أخوية وفلسفية.

سنقدّم نبذة عن طقوس التكريس والأخوة الماسونية وكل ما يجب أن يعرفه الباحث عن الرمزية والفلسفة الماسونية التي تمثّل العامود الفقري للفكر والمنهجية والديناميكية الماسونية.

ماذا نفهم بتكريسية؟

    الطابع المؤثّر أكثر في العامة هو عملية التكريس والطقوس المتّبعة ماسونياً. يضفي الجاهل والساذج، لإعتقاداته الواهمة البعيدة كل البعد عن الفكر العقلاني والعلمي، يضفي لعمليات التكريس صبغة سحرية.

     الإستهلال أو التكريس (باللاتينية: initiatio) هي العملية التي يكتسب بها المبتدئ وضعًا إجتماعيًا أو روحيًا أعلى من خلال إكتساب المعرفة أو القبول في الأنشطة الخاصة لمجتمع ديني أو مجتمع سرّي أو مجموعة. بشكل عام، يشير المصطلح إلى الإنضمام إلى المعرفة الأولية لعلم أو مهنة، كما يشير المصطلح أيضًا إلى الإحتفال أو طقوس المرور، التي توفّر إمكانية الوصول إلى الحالة الداخلية الجديدة. نجد طقوس التكريس في أسرار إيزيس في مصر، إليوزيس في اليونان ، إلى الماسونية والفرق الكشفية والرياضية في أيّامنا. منذ عرفنا تاريخ البشرية وجدنا وفي كل فضاء ثقافي، إجتماعي أو ديني على طقوس تكريسية. 

     الطقوس وعمليات التكريس هي من أكثر العادات والأعمال المتواجدة في المجتمعات كافة. فمنذ القديم عمد الإنسان للإنتقال من مرحلة الى أخرى أو الإنخراط في مسار أو للتخفيف من وطأة فاجعة أو لتحديد الترقّي الإجتماعي الخ… الى طقوس ومنها:

– الإنتقال من الفتوّة الى الرشد كالطقوس المعروفة عند الشعوب الأولى المسمّات بدائية.

-عمليات الشحذ الجسدي من تطهير وغيره للإنخراط في التركيبة الإجتماعية، اليهود

 والمسلمين الخ…

– الطقوس الدينية للإنخراط في مجموعة دينية من عماد وأوّل قربانة وإلباس الطالب الأبيض المسيحيين والصابئة الخ…

– طقوس دفن المتوفّى مع كلّ ما يرافقها. أنظر عند الهنود، المصريين الموحدين الخ…

– طقوس الإنتقال من العزوبية الى الزواج.

– طقوس تخرّج الطلبة وإنخراطهم بالمجتمع العامل.

     في أغلب الأحيان الطُقس هو إشهار لأفراد مجتمع بإنخراط أحدهم في جسده أو خروجه أو ترقّيه.

     يتكتّم أفراد المجتمعات عادة عن تفاصيل عمليات التكريس الطقسية. الدراسات الأنتروبولوجية عن هذه لا تحصى ومتوفّرة للجميع ومنها عن الماسونية. عمليات التكريس الماسونية لا تختلف عن أي من هذه الطقوس، فهي تعلن دخول الطالب الى المحفل الماسوني كما رغبته في العمل على الترقّي. إنها عملية لا تختلف عن أيّ عملية دخول طالب مجتمع ولا تتضمّن أي عمليات سحرية فوقية وخارقة تحوّل المعدن الرخيص الى ذهب. الإعتقاد بأنّها عملية خارقة، لا تتواجد إلاّ في عقل متوهّم، يؤمن بوجود قوى غيبية مسيّرة للبشر، على غِرار من يعتقد بتأثير الغيبيات من فلك وجن وأرواح على البشرية. أكبر دليل على أنّها ليست بمحوّلة كافية وخارقة هو عدد الأشخاص الذين يدخلون الماسونية ثم ينفصلون عنها فعددهم يفوق أضعاف أضعاف المنتسبين.

     عملية التكريس الماسونية هي من أفضح العمليات لقدرات الطالب. إذ أنّها تقدّم له الأدوات وتترك له الإختيار. التنحّي والإستقالة يتأتّيان عند وجود الطالب أمام محدودية إمكاناته لإستعمال الأدوات الرمزية، أو لعدم جهوزيته وسوء إختياره وتوهّمه، أو لعدم الوصول الى الفهم الفلسفي الصحيح الذي وللأسف يفتقده الكثيرين ممّن يدّعون ماسونية ويقدّمون أنفسهم كأدوات للدخول الى الماسونية، لأن الفرق كبير بين الإدّعاء والمقدرة.

     إحدى الآفات التي أصابت الماسونية في مجتمعاتنا العربية كما سلف هو عقمها

الفلسفي. تتواجد الماسونية كهيكلية ظاهرة على غِرار ما عرفناه في أرجاء العالم الأخرى منذ أكثر من مئة سنة في لبنان ومصر وغيرها. أين هو الناتج الفلسفي والعلمي أين هي الأبحاث الفكرية والإجتماعية أين هي على الأقل الكتابات والردود على المفترين عليها.

    ليجد الباحث تكتّلات وتجمّعات كُوِّنت واندثرت ولم تهتم إلاّ ببعض الطقوس وبعض الأوهام الأخوية من الإقتراب من هذا والتعرّف على ذاك أو الوعد للمسافرين بملاقاة الأخوة في الخارج للمساعدة وغيرها. هذه المقاربات هي مقاربات غير ماسونية يعتمدها جاهل وفاشل ولا تمتّ الى الماسونية بأيّ شكل من الأشكال الجوهرية الوجدانية.

    لا نقبل في أيامنا إلاّ الاستنتاجات الواردة عن إحصاءات دقيقة وعلمية، ليستغرب القارئ بمعرفته أنّه أُحصِى أكثر من 23 ألف شخص كرّس في لبنان في العشر سنين السابقة، لم يبقَ منهم في المحافل إلاّ بضع مئات. هذا يثبت بأنّ التكريس ليس بالفعل الساحر الذي ينسب إليه كما سلف، كما أنّه ينقض مقولة مقتل من يخرج من الماسونية، ويعبّر عن جهل الوكالات الماسونية الأجنبية المستوردة عن متطلبات مجتمعنا، وإفلاس من يقوم عليها بالمعرفة الماسونية الحقيقية، والإكتفاء بألقاب الوجاهة والتفاخر بالإنتساب الى تجمّعات أجنبية، كما تفاخر أهل الجاهلية بالأنساب، وممارسته بعض الطقوس بسطحية فيغيب عن الباحث فهم الفكر الفلسفي الماسوني المعروف بأنّه فلسفة غنوصية، ديناميكية خيميائية وفن هرمسي مصقولة ضمن بوطقة الفكر الحرّ. للطقوس في المحافل غاية لا تتعدّى في بعض الأحيان التنظيمية، فهي ضرورية لحسن سير العمل، إلاّ أنّها ليست لوحدها بكافية لإيصال مغازي الفكر الماسوني.  

الفلسفة الماسونية.

     إنّ الطقوس والإجتماعات المحفلية وغيرها تبغى التحضير النفسي وغيره لإيصال الطالب الى المعرفة الفلسفية الماسونية. وهذه المعرفة الفلسفية ليست بسريّة وهي الأهمّ في المسيرة الماسونية، من خلال الدراسات اللاّحقة سيتبيّن للباحث عمق وعقلانية الوجدان الفلسفي للمفكر الحر والماسوني. من دون البعد الفلسفي تتحوّل الماسونية كما هو الغالب في بعض التكتّلات الماسونية، الى ممارسة شعائر تشبه أكثر نوادي إجتماعية سطحية همّها الألقاب والوجاهات على مِثال النوادي الإجتماعية الخيرية المعروفة. ولغرابة المفارقة، كثر هم الذين ومن بعد الإنتساب الى الماسونية والإكتفاء بالشعائر وعدم إيجاد اللّب الفلسفي، ينتقلوا للإنتساب الى تلك النوادي الإجتماعية.

     من هنا كان من الضروري إيصال الفكر والفلسفة الماسونية الى هؤلاء أوّلاً من خلال هذا الموقع.

منهجية عمل الموقع.

سيسعى هذا الموقع ومن خلال التدرّج الدراسي العلمي الى تبيان الظروف الفكرية والإجتماعية التى أدّت الى نشأة الماسونية، بالإضافة الى نشر دراسات وأعمال هندسية ماسونية تعطي القارئ فكرة حقيقية عن الأعمال والفكر الماسوني.

 – حقوق النشر: الدكتور ميشال الخوري  © ٢٠٢١

error: Content is protected !!