نسبية المعرفة الدينية.
نسبية الموجودات ومقاربة مفهومها للدين.
في الظاهر الخارجي.
جميع الموجودات مختلفة ومتفاوتة، إذ أنّه من المُحال أن نجدَ موجودين متشابهين من جميع الجهات. ولقد تأكّد ذلك من خلال العلم الحديث إن كان من جهة الموجودات الآدمية أو النباتية أو الحيوانية، إذ أنّها تمتلك مكوّنات وقدرات جينية تختلف كلياً من موجود الى آخر.
جميع الموجودات مختلفة من بعضها البعض، فلا نجدُ إنسانين يمتلكان شكلاً واحداً، نقول: طفلان توأمان متشابهان لهما شكل واحد! نحنُ نرى الظاهر أنّه شكلٌ واحد! والحال أنّه بالدقّة العقليّة، كلّ خليّة في بدن هذا الطفل تختلف عن تلك الخليّة الكائنة في بدن الآخر، وهيئة وجودها ليست ذات شكل واحد. ولو سلّمنا بأن تركيبهما الجيني قد يتطابق في بعض النواحي إلّا أنّ عمل هذا التركيب قد يختلف من خليّة الى أخرى كما يختلف عند الشخص الواحد وضمن عضو واحد من خليّة الى أخرى. فخلايا الكبد عند شخص واحد وبالرغم من تكوينها الجيني المتطابق كلياً والتي تقوم بذات العمل الوظيفي تختلف تركيبتها الحسيّة من خلية الى أخرى وذلك بحسب الظروف المتقاربة والمختلفة في الوقت نفسه. فخليتان في كبد واحد قد يكون مخزونهما الحسّي مختلف كلياً.
نقول: هذا الكوب هو عين ذاك الكوب، شكله عين شكل ذاك.. هذا حسب النظرة الظاهريّة، ولكن بالدقّة العقليّة، مجموع هذا مختلف مع مجموع ذاك، الإختلاف قد يكون بالتبلور أو بنسب التكوين الجزئي أو بأي تكوين آخر.
لم يوجد فردان إمتلكا شكلاً واحدا، كما أنّه لا يوجد الآن ولن يوجد فيما بعد! فمنذ أن وطئ الإنسان هذه المعمورة، وفي كلّ دورة كانَ هناك ـ بدلاً من الستة أو السبعة مليارات من الآدميّين الآن ـ مليارات الآدميّين، والحال أنّه ليس هناك اثنان مشتركان في شكلٍ واحد، ولا في أخلاق واحدة ولا جسم واحد ولا فكر واحد. فقلب كلّ شخص غير الآخر وكبد كلٍّ منهم غير الآخر وشريانه غير شريان الآخر وتفكيرهما ليس متّحداً وتخيّلهما لا يعود إلى وادٍ واحد، بل لا يمكن أن يتّفق ذلك! كما نجد هذا عند الآدميين كذلك نجده عند باقي الموجودات التي يتجاوز عددها مليارات المليارات منذ بدء الخليقة. قِس على ذلك مكونات الكون من نجوم وأجرام سماوية التي يتجاوز عددها ما يمكن تخيّله من مليارات مضاعفة والتي تتّصف جميعها بالإختلاف.
وكأن القاعدة العامة لهذا الكون هي الفرادة الشكليّة على الأقل على هذا المستوى من الدراسة.
في نسبية الخيرية والحسن.
قد يأخذ أحد الموجودات صورة الإنسان، والآخر هيئة عقرب، والإنسان يقول: لماذا وجد العقرب؟ والعقرب يقول: لمَاذا وجد الإنسان؟! يقول الإنسان: هذا العقرب عبارة عن موجود يجلب لنا الألم ويؤذي ويقوم بكذا وكذا: يضرّ بأطفالنا ولا يدعنا نهنأ بحياتنا.. وهكذا يقول العقرب: لماذا وجد الإنسان؟ هذا الإنسان أكثرُ المخلوقات شرّاً، وأسوأهم وأشرّهم خططاً!! فهو لا يكلّ يطاردنا وينصب لنا الفخاخ والمصائد ولا يتركنا ننعم حتى في أوكارنا.
فلكلّ واحدٍ من هؤلاء منظومة: مبدأً، مسيراً، منتهى وبرنامجاً، وعليهم أن يسيروا في ذاك البرنامج، فيتحرّكوا ويصِلوا ويبلغوا ذاك الكمال.
لماذا يفرح الإنسانُ من نحلة العسل؟ لأنّها تمدّ الإنسان بالعسل، ولماذا يتنفّرُ الإنسان من الزنبور؛ لأنّه يلدغ الإنسان ويقتله. بعض هذه المسألة يرجع إلى ذاتنا نحن، من حيث إنّها تجلب لنا المنفعة أم المَضَرّة. فنقول: أهلاً ومرحباً! وعلى العكس من ذلك فيما لو كان سيّئاً وضاراً فسوف ننعته بالسوء، الحسن والقبح دائران مدار النفع والضرر في بعض الجهات، ونقيسهما حسب المصالح الشخصيّة، دون ملاحظة الواقع الكوني. بيّن العلم الحديث أن هناك دائرة كونية وأن أصغر الحشرات التي ننقم عليها أو نقتلها تدخل في إنتظام هذا الكون وتعود علينا بالنفع.
هذا السمّ الذي يمتلكُه الزنبور، هو بالنسبة لنا سمّ، ولكن هل هو كذلك بالنسبة له؟! فالسمّ بالنسبة للزنبور وسيلة للدفاع، وهو عمدة حياته وضمانة وجوده، ولو سلبنا منه السمّ فلن يقوى على الحياة بل سوف يموت. إذن للزنبور منظومة من الأجهزة، أحدُ أركانها الوجوديّة هو السمّ، وهذا السمّ بالنسبة إليه عينُ الخير، كذلك سمّ العقرب بالنسبة له، وكذلك سمّ الحيّة بالنسبة لها، كذلك مخالب النمر أو الأسد وأنيابهما الحادّة، هي خير بالنسبة إليهم، فلو نزعنا المخالب والأنياب الحادّة من النمر فسوف يموت من الجوع، فهي خير بالنسبة إليه!
من هنا لا نريد ولا نستطيع أن نقيس الخير بشكل مطلق، بل نستطيع أن نقيّمه في بعض جوانبه على أساس المنفعة والضرّر الشخصيين.
هناك الآلاف من الأشخاص الذين ينظرون إلينا على أنّنا غير منتظمين في نظرهم، إن كنا عرب أو أفارقة أو غربيين أو شرقيين مهما كانت أصولنا. يقولون: إنّهم أناسٌ متخلّفون أو مختلفون. يقولون: كمْ هم مختلفون، وبعضهم يعترض ويقول: لماذا لمْ يبلغ هؤلاء رقيّنا الإجتماعي أو الحضاري أو الصناعي أو علوِّنا الديني؟ ولماذا لم يكن جميع هؤلاء مثلنا؟ فهم ممزوجين بالإختلاف وبالسوء.
قد يقول كلّ فرد، نحن حبّة من الألماس قد أستخرجت من المنجم ولم تصقل. أمّا الآخرين فحبّةٌ من الرصاص أو النحاس قدّ تمّ صقله وتلميعه، نقيّ وصاف، فلو أخذتم قطعة من النحاس وصقلتموها ونظّفتموها بحيث يمكنكم مشاهدة وجهكم من خلالها أو من خلال الحديد أيضاً، أليس ذلك ممكنا؟! فأيّهما أغلى ثمناً؟ هذه القطعة النحاسيّة الملمّعة أمْ تلك الحبّة من الألماس المستخرجة من المنجم التي ما زالت ملطّخة بالتراب والأوساخ؟! فحتّى مع كون النحاس قد بلغ غاية كماله، إلاّ أنّه نحاس! فهذا الألماس له قابليّة أن يكون خاتماً يوضع في يدِ ملك، فلا يوجد أيّ ملكٍ يضعُ قلادة على صدره من النحاس ليتزيّن بها، ولا من الحديد حتّى وإنْ كان مصقولاً. وأمّا الألماس فعلى العكس! هو يمتلك هذه القابليّة. فنحن بالرغم من محدوديتنا في بعض الميادين نحن الألماس وهذا قول كل جاهل، أناني وفردي.
الحسنُ بلحاظ عالم الإعتبار يمكن أن نعتبره نسبيّاً، وأمّا بلحاظ الواقع فلا؛ فعالم الواقع يعني عالم الخلقة والظهور الكوني، فجميع الموجودات دون إختلاف لها دورها، ومن هذا المنظار لا فرق بين الإنسان والحيوان والنبات في الدورة الكونية وذلك إن نظرنا إلى كلّ العالم بنظرة واحدة ونلاحظ جميع المخلوقات دفعة واحدة، هل يستطيع أحد أن يقول أنه أفضل من كواكب السماء أو أسماك البحار، إلاّ أننا نفرّق من الجهة الجوهرية كما أسلفنا ما بين عالم الإعتبار والواقع. في عالم الإعتبار العقرب يفضّل سُمَّه والأسد مخالبه على جميع المخلوقات. أمّا الإنسان ففي واقع آخر ومعايير مختلفة، إذا ما ترفّع عن الأنانية والجهل والفرادية الأحادية واعتبر الوجود الكوني ضمن إنتظام عام.
هذه العناوين من الحسن والقبح والتقدّم والتأخر والأشرفيّة والأفضليّة سائر ذلك كلّها عناوين اعتباريّة، ولكن لو تجاوزنا عالم الاعتبار ونظرنا إلى الحقائق، فسوف نجدها كلّها في صفّ واحد.
فما يُرى من العلاقات والروابط الموجودة في عالم الكثرة من السفل والعلوّ، لا حقيقة له من النظرة الكونية. فما نقوله: فلانٌ أعلم.. ذاك غير أعلم.. هذا العمل أهمّ.. ذاك العمل مهمّ.. هذا من هذا الدين.. وذاك من ذاك.. هذا نجس ذاك طاهر.. هذا كذلك وذاك ليس كذلك.. جميع هذه الكلمات تابعة لعالم الكثرة.
في نسبية الإلتزام.
فإذا كانت الموجودات على هذا النمط من الإختلاف هل يعقل أن نقيس بحسب معيار واحد أفراد انتموا الى سبيل واحد. إذا كانت الإختلافات الشكلية لا تحصى هل يعقل أن يكون هناك تجانس في الأشكال العقلية أو الفكرية ومنها الوجدانية. هل يعقل أن يكون كلّ من إنتمى أو تبنّى عقيدة أو مبدأ هو هو كجميع الآخرين المنتمين الى هذا التيار. هل يعقل إذا ما إعتبرنا أحد تابعي الديانات المعروفة من إسلام ومسيحية ويهودية وبوذية وغيرها، إن اخترنا فرد من أفراد هذه المجموعات أن يكون مطابق لإطار أو شكل عام. هل كل المسلمين على درجة واحدة من الفهم والالتزام. هل المسيحي من اي بقعة من بقاع الأرض إذا ما قيّس مع مسيحي آخر لتطابقا، أم لربما اليهودي أم البوذي سيتطابقون. فكيف نحكم اذاً إذا إختلفنا ضمن العائلة الواحدة على أن الجميع الآخرين ذوات قلب وقالب واحد.
في النظرة الوجدانية.
من هنا النظرة الوجدانية تتعالى على المسمّيات والفوارق البدنية والدينية والعرقية واللغوية والإجتماعية، لتصل الى الإنسان كإنسان. لأنه وللواقع وجد الإنسان قبل كل هذه المسمّيات والفوارق. وإن وجِدَت أو أوحِيَت هذه المبادئ أو العقائد على ما يقول البعض، فهي في النهاية لخير الإنسان. فتكون الإنسانية سابقة للديانات والمبادئ والعقائد التي إذا ما ادّعت علوّ ففي سبيل علوّ الإنسان وخيره وإنسجامه أولاً مع الآخرين من أبناء جلدته، وليس بعبوديةٍ زائفة وتقوقعه وتنافره مع أخاه الإنسان وبالتالي مع إنسانيته.
الإختلافات الشخصية تتأتّى من المعرفة والتفاعل مع هذه المعرفة. فجميع المسلمين تلقّوا العقيدة والتعاليم الإسلامية عامةً، إلّا أنّ الإختلافات تكون من طريقة التفاعل ما بين الفرد المكوّن بطريقة مختلفة مع هذه المبادئ. فنلحظ المسلم الأندونيسي مختلف عن المسلم المصري أو العراقي أو الخليجي وحتّى ضمن هذه المجموعات لا نستطيع أن نطابق فرد على فرد.. هذا لا يعني أن مفاهيم الإيمان تختلف. مفاهيم الإيمان من عقيدة وطريقة عبادة هي هي، إنّما الذي يختلف هو تفاعل هذه مع فرادة الإنسان لتعطي الثمار المختلفة والخاصة بكل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي. مع العلم أنّ هذه المكونات تعترف ضمناً بالتفاوت بين أفرادها، فهي تصنّف تابعيها بصالحين، ومؤمنين، وفاسقين، وكذبة، وعلماء وأولياء الخ…
كذلك المسيحية أو اليهودية أو البوذية، لم تختلف في تصنيف تابعيها بأوصاف تبدأ بالقداسة وتنتهي بالمقلّد الأعمي. من المستحيل الوقوع على شخصين إلتزما وإعتنقا ديانة أو فلسفة أو مبدأ، ويكون تجاوبهم وتفاعلهم نفسه.
إن كان المسلمون مختلفون فهل يحقّ لي أن أحكم على شخص جاهر بإسلامه على أنه لا يمكن أن يكون إلاّ هكذا لأن كثيرين هم هكذا. هل يعقل أن ألقى على أي فرد من أفراد المسيحية صِفات وجدتها بهذا أو ذاك المسيحي، أو اليهودي أو البوذي.
من هنا، ومن هذا المنظار نستطيع أن ننزّه الديانات من متبعيها. فإن كان بعض المسيحين منشغلين بأمور الدنيا هذا لا يعني أن المسيحية دنيوية. وإن كان بعض المسلمين قتلة ففي جميع البلدان من دول عالم ثالث وما دون إلى أكثر دول العالم تطوراً، نجد فيها سجون مكتظّة بقتلة وسارقين ومجرمين. إن كان بعض البوذيين ينفعلون عند شتم آلهتم، ففي بعض البلدان والمملكات تقطع روؤس من يشتم الملك أو الرئيس.
السؤال: ما هي العوامل التي تجعل الناس يتفاعلون بطريقة مختلفة أمام المسائل نفسها.
في نسبية المعرفة الدينية.
يرى علماء الإجتماع أن الأجزاء المختلفة للمعرفة البشرية هي في تعاطٍ مستمر في ما بينها، وإذا ما شهد العلم إبداعاً فإنه يترك تأثيره على علم الفلسفة، وأن تحوّل الفهم الفلسفي يغير فهم الشخص حول الإنسان والكون، وعندما يأخذ الإنسان والكون وجهاً آخر فإن المعرفة تأخذ معنى جديداً أيضاً وكذلك المعرفة الدينية. فمن هنا كان من الطبيعي رؤية إختلاف في طريقة تديّن البشرية على إمتداد العصور. هذا لا يعني تغيير في عقيدتها ولا في عباداتها إنّما تغيير في تفاعل الأفراد ومفهومهم المتغيّر مع معتقداتهم وعقائدهم وأصولها.
هذا المجرى سرى على جميع الديانات. إلّا أنّ بعضها ولأسباب سياسية وسلطوية محضّة تتمسك ببعض الفروع لإكمال سيطرتها على جماعاتها. فما معنى التمسّك بزيّ هندامي كما يفعل الهندوس على أساس أنّه تقليدي وعدم الإلتزام بطريقة التنقل التقليدية على الدواب. لماذا رفض اللّباس المتأقلم مع الحياة العصرية على حجّة أنّه لا يتناسب مع التقليد وقبول التنقل بالطائرات والسيارات. لماذا العدول عن الحمام الزاجل الى الهواتف الجوالة وإستعمال المكيّفات في أماكن العبادة. المهزلة هو إقتباس ما يناسب البعض من دون مسوغ شرعي ورفض الآخر لأنه يدخل في شحذ العصبيّات. فننسب بعض مظاهر التطوّر الى دسائس ومؤامرات ومن وسوسة الشيطان وهذا فقط لإحكام الحبل على رقاب الاتباع.
اذا ما كانت الشعوب تختلف في زمن معيّن فيما بينها فبطبيعة الحال تختلف ما بين جيل وآخر وما بين قرن وآخر. إن كنت لا أحمّل أحد عمل آخر فكيف أستطيع أن احمّل شعوب وأفراد ما قام به أجداد أجدادهم. هل يعقل أن احمّل كل السنّة مقتل الحسين، وأن أحمّل جميع الشيعة وزر سليمان الأول الصفوي. وأحمّل اليهود إدّعاء صلب المسيح.
إن النظرة الوجدانية الكونية تُهمد نيران الفتن وتوئد الشرور المتناقلة من جيل الى آخر. فبإعتماد طريقة الفكر الكوني المستنير نميّز ما بين الدين والفكر الديني والمعرفة الدينية، هذه الأخيرة تتفاعل مع تغيّرات الزمن والمعارف البشرية الأخرى. كما نفترض أن الدين ثابت بينما المعرفة الدينية ظاهرة بشرية متغيّرة ونسبية كشأن المعارف الأخرى. هذا يظهر نسبية المعرفة دون الحقيقة. فالمعرفة الدينية تتّسم بالتحوّل والنسبية لأنها مرتبطة بألوان المعرفة الإنسانية الأخرى ومتأثرة بها.
فتكون المعرفة الدينية بناء إنساني يتطوّر بالضرورة وبإستمرار بحسب الفهم المتغيّر للعالم، فبينما لا يتغيّر الدين في حدّ ذاته يتغيّر الفهم الإنساني له والمعرفة المرتبطة به. فالمعرفة الدينية ليست إلهيّة من منطلق الموضوع الديني الذي تعالجه ولا يسوغ أن نخلطها والدين في حدّ ذاته. وهكذا ننزّه الدين من تابعيه أن أخطأوا أو أساءوا.
ممّا سبق نستطيع أن نستخلص:
- يجب أن نضع معنى النصوص العقدية في أفق الفهم التاريخي المتحوّل.
- أنسنة الدّين، فهم العقائد من منطلق أنها من أجل الإنسان، لأن هدف الدين هو الإنسان وخيره إن كان هذا دنيوي أو خيروي.
- إعلاء المعرفة الجديدة بالإنسان والمجتمع والطبيعة. يقول أحد الفلاسفة: “إذا تعرّضت المعارف البشرية غير العقائدية للقبض والبسط فلا بدّ أن يتعرّض فهمنا للعقيدة إلى القبض والبسط أيضاً، أحياناً بصورة ضعيفة وخفيفة، وأحياناً بصورة شديدة وقوية”.
- هذا المفهوم ( نسبية المعرفة الدينية) مدخل من شأنه وضع حدّ للتصادم الموهوم بين هذه المعرفة وباقي المعارف العلمية والفلسفية، على أن هذه المعارف غير الدينية هي أسئلة مرتبطة بالأفق التاريخي للإنسان، والمعرفة الدينية تتضمّن إجابات لها، فكلّما إختلفت الأسئلة وإزدادت عمقاً إزدادت الحاجة إلى أجوبة أكثر عمقاً، من هنا فإنّ أيّ تغيّر في معارف العصر العلمية والفلسفية يستدعي تغيّراً في المعرفة الدينية.
- علينا أن نميّز ما بين الذاتي والعرضي في الدّين. إنّ الإعدادات اللغوية والثقافية والحضارية تساهم في تشكيل أعراض الدّين كما نفهمه اليوم، ولأنّها إعدادات متغيّرة من ثقافة إلى أخرى فهي ليست من ذاتيات الدين، فمن هنا إن لبوس الثقافة القومية من لغة وأذواق وأساليب حياة ونقاط ضعف وقوة عقلية وخيالية وعادات وتقاليد ومألوفات ومسلّمات فكرية وخزين لغوي ومفاهيمي يضيف على جسد العقيدة والفكر ويخلع عليه نواقصه وكمالاته لا محالة.
- الجوهري في الدين هو المتجاوز لكلّ الإعدادات المسلَّم بها من ثقافة خاصة بلحظة الوحي.
نُطِقَ بالدين والعقائد والمبادئ لرفع الانسان عن تأثير شهواته الفرادية كتفضيل الحية لسُمِّها والنمر لمخالبه. فتكون جميع أدوات الرفع وجدت لخدمة الإنسان. ومن قدّم الإنسان قدّم الإنسانية.
لا يتعارض تقديم الإنسانية مع أي دين كانَ، كنقطة إلتقاء وتفاهم بين الشعوب، لأنّ الأديان نصبت في الأساس هيكل الإنسانية الكامل لرفع الإنسان والإنسانية معاً.
قال أحد الأخوة: عندما أقول أخي في الإنسانية هذا يشمل جميع من كان، كائن أو سيكون على هذه المعمورة و كل منادات آخرى تبقى جزئية.
فسلام على أهل الإنسانية.
كل من لا يرى في وجه الإنسان الآخر انسانا، فهو ليس في فلك الانسانية.
– حقوق النشر: الدكتور ميشال الخوري © ٢٠٢١