هرمس
هرمس ومنها الهرمسية التي أصبحت تعني الشئ الغامض. إذا أردت أن تصف موضوعاً بالغموض وعدم الوضوح نعته بالهرمسية (Hermétisme).
بقرائتك لبعض من هذه السطور سيظهر لك الموضوع وكأنه غير متلاحم. إلا أن الهرمسية هي كما هي تنتقل من نقطة الى أخرى ساعية لإضاعة الخيط الرابط بين الأمور لتتركه جلياً على مكرّسيها. ستجد في مركز الدراسات دراسة أوفى عن الهرمسية.
هرمس إسم لعالم غامض إعْتُبِر من آباء العلوم الغابرة من خيمياء وتنجيم وطلسمة الخ. إلاً أنّ ما عرف عن علومه كتب بلغة أخفت بين سطورها حكمة كما قيل تؤدي الى العتق الكامل. ورد عن أبولونيوس دو تيان أنه وجد في قبرهرمس لوحة منحوتة على صخرة من زمرد عرفت باللوحة الزمردية.
ما نسب الى هرمس الذي مزج بينه وبين إله المصريين “توت” وقال البعض موسى، أنه كان وسيطا ما بين العالم الغيبي والمادي. عُرِّف عنه أنه وُجِدَ قبل أفلاطون والحكماء السبعة، وأنه عرف أسرار الكون الخفية وكتبها بشكل رمزي. فما ورد عنه من الخيمياء وعلم الفلك والطلسمة هو للعامة، وما ورد بشكل رمزي وما بين السطور هو للخاصة التي تخرج الأبيض من الأسود. ورد في الكتابات العرفانية أن الكتابة لا تُخرِج إلاً قسم يسير من المعرفة. إذ انَّ الحروف لا تظهر إلا من خلال البياض والفراغ الذي يحيط بها، وإذا إعتبرنا أي نص، لوجدنا أنه ولظهور المعنى المعبر عنه من خلال الحروف السوداء، لا نستطيع أن نهمل البياض الذي يحيط بالأحرف والذي يبرز المعنى. فيكون المخفى أكثر وأهم من الظاهر لأنه هو الكاشف والمظهر للمعنى الخارجي.
تعرّف الهرمسية كفلسفة ودين وعلم بالغيب وروحانية تسعى للسلام الداخلي من خلال الروحانية على مثال الغنوصية العرفانية، إنما تتميز عن الغنوصية بمعرفة حثية للكون المحيط بنا. تسعى للسلام الداخلي من خلال المعرفة المرتكزة على أن الإنسان مكون من حياة ونور.
من خلال النصوص التي وجدت في نجع حمادي في مصر يظهر وجود جمعيات تكريسية هرمسية متزامنا مع ظهور المسيحية.
ما هي أساسات المبادئ التي إعترفت وإنكبّت عليها الهرمسية الفلسفية:
- هناك ثلاثة أحياء، الله، العالم والإنسان.
- الإيمان بوجود الله وبوحدانيته.
- كمال الله، الله يعطى كل شيء وليس بحاجة لأي شيء، هو مصدر الكل.
- الله موجود في كل مكان ويحوى الكل.
- لا يعرف الله السكون، يَخلُق بإستدامة لأنه كريم ويحب الخلق.
- الله مصدر الخير وحده ولا يُجري الشر.
- الله لا جنس له، لا ذكر ولا انثى.
- العالم صلة تجانس ما بين الإنسان والسماء.
- الفكر والعقل ذرة من النفس الكلية.
- العقل هو عين للنفس والقلب. الخ
اللوحة الزمردية.
كُرِّست دراسات كثيرة لتفسير اللوحة الزمردية سنورد مضمونها كما ترجمت الى اليونانية.
“انه حقيقي ولا كذب فيه ومتأكد بأن ماهو فوق هو كما هو في الأسفل، وما هو في الأسفل هو كما هو في الأعلى لتكون معجزة لشئ واحد.
كذلك جميع الأشياء كانت وأتت من واحد بواسطة الواحد.
الشمس هو الأب كما أن القمر هي الأم، والحَمْل في أحشاء الهواء والمرضعة الأرض.
أب كل تلسم وكل الكون هنا. قوته كاملة إذا حوِّلت الى أرض.
عليك أن تفصل الأرض من النار، الخفيق من الثقيل بصناعة كبيرة. يصعد من الأرض الى السماء و يعود ثانية الى الأرض يستقبل قوة الأمور العلوية والسفلية وبهذا تحصل على مجد الناس جميعا ولهذا كل ظلمة تهرب منك.
هذه هي القوة القوية لكل قوة، لأنها تنتصر على كل جسم خفيف وتدخل كل شئ صلب. هكذا خلق الكون.
من هذا كان ويتأتى تكييفات مدهشة التي تجد لها هنا الوسيلة. ما قلته عن عملية الشمس اُكمل وانتهى”
لمن يقرأ هذا النص الذي يعتبر من النصوص الأوضح والأغمض يستخلص فلسفة ونظرة كونية، هذه بعض أسسها التي وردت في الكتاب المفسّر للعلم الذي إعتبره هرمس :
اقوال الفلسفة أمور غامضة إلاً على الأذان الحكيمة.
نستخلص سبعة مبادئ للهرمسية:
- المبدأ الفكري.
- مبدأ المراسلة.
- مبدأ الحركة.
- مبدأ الازدواجية.
- مبدأ الدوران.
- مبدأ التفاعل.
- مبدأ التجانس
الفكر وكذلك المعادن والعناصر تمر من حالة الى أخرى ومن درجة الى أخرى ومن طرف الى آخر ومن ذبذبة الى أخرى الطريقة الهرمسية للتحول هي فن فكري وعقلي.
وراء حقيقة الزمان والمكان تختبئ دائما حقيقة واقعية، الحقيقة الأساسية.
الهرمسية إحتوت الكثير من الحكم والحقائق المبطنة، لإستنباطها إستعملت جميع وسائل التفتيش والبحث من فكرية وعملية.
هناك أمور في الهرمسية تجاوزها الزمن، أما حكمتها فباقية في تطورها.
هذا القسم من أغمض فصول البحث الفلسفي والتاريخي، إلاً أنَّه من أسهل المواضيع الفلسفية الخيميائية.
نستخلص وبكثير من الإطمئنان بأن الفكر الهرمسي والمتجسد في كثير من شعبه في الفكر البيثاغوري، أسَّسَ للفكر الحر والمتحرر، ونَقَلَ لنا كثيراً مِن حكمة وفلسفة الاقدمين.
– حقوق النشر: الدكتور ميشال الخوري © ٢٠٢١